التسول  بين مرارة الواقع  ،  وانكسار الذات،  والحاجة والاحتياج


حسن غريب أحمد 

عضو نقابة اتحاد كتاب مصر


التسوّل هو طلب المعونة كالمالِ والطّعام من عامة النّاس واستعاطفهم بعباراتٍ وأساليب متعددة، وهو من الوسائل التي تَجلب للمتسولّين المال دونَ عناء بِمجرّد تكلمهم عباراتٍ مُعينة، وارتدائهم لِثياب مُمزقة، فيمارسون التسوّل كمهنةٍ لهم، وتَعاطُف النّاس معهم، وتقديم المساعدة لهم يرفع نسبة دخلهم مما يجعلهم يقبلون على التسوّل بشكلٍ كبير، وبالتالي تنتشر ظاهرة التسوّل وتزداد يوماً بعد يوم.

تنتشر ظاهرة التسوّل في جميع أنحاء العالم، وهي من الظواهر غير حضارية، ولها آثارٌ سلبيةٌ فهي تَهدُرُ كرامة المتسوّل. هناك العديد من الدول التي تكافح هذه الظاهرة بكافة الطُّرق، ومن أسباب انتشارها: البطالة، والإعاقة أو العجز عن العمل، والفقر، ومن هنا لا يَصحُ وَصفُ كلّ من يتسوّل بأنّه شَخصٌ مَعدوم، بل إنَّ العَديد منهم امتهنَها لِيَجمَع المال، كما أنَّ هناك العديد منهم يُوظّفون الأطفال وحتى الرُّضع بِهدَفِ جمع المال.

التسوّل هو طلب المعونة كالمالِ والطّعام من عامة النّاس واستعاطفهم بعباراتٍ وأساليب متعددة، وهو من الوسائل التي تَجلب للمتسولّين المال دونَ عناء بِمجرّد تكلمهم عباراتٍ مُعينة، وارتدائهم لِثياب مُمزقة، فيمارسون التسوّل كمهنةٍ لهم، وتَعاطُف النّاس معهم، وتقديم المساعدة لهم يرفع نسبة دخلهم مما يجعلهم يقبلون على التسوّل بشكلٍ كبير، وبالتالي تنتشر ظاهرة التسوّل وتزداد يوماً بعد يوم. أسباب وطرق التسوّل تنتشر ظاهرة التسوّل في جميع أنحاء العالم، وهي من الظواهر غير حضارية، ولها آثارٌ سلبيةٌ فهي تَهدُرُ كرامة المتسوّل. هناك العديد من الدول التي تكافح هذه الظاهرة بكافة الطُّرق، ومن أسباب انتشارها: البطالة، والإعاقة أو العجز عن العمل، والفقر، ومن هنا لا يَصحُ وَصفُ كلّ من يتسوّل بأنّه شَخصٌ مَعدوم، بل إنَّ العَديد منهم امتهنَها لِيَجمَع المال، كما أنَّ هناك العديد منهم يُوظّفون الأطفال وحتى الرُّضع بِهدَفِ جمع المال. أشكال التسوّل تسوّل الشّخص العاجز، وفي هذه الحالة يُسمى بالاضطراري؛ لأنه لا يَملك مالاً أو وظيفةً، ولا يتوفر له مصدرٌ للدّخل، فلا يتمكن من تلبية حاجاته ومتطلباته إلّا عن طريق التسوّل. التسوّل المُتخفي أو المقنع، ويكون بِبيع سلعٍ مُعينة، أو تقديم بعضِ الخدمات كمسح زُجاجِ السّيارات. التسوّل الواضح، ويكون بطلبِ المال بشكلٍ مُباشر. التسوّل في مواسمِ الأعياد، أو في شهر رمضان المبارك، أو عند مواجهة ظرفٍ مُعين ويُسمى بالتسوّل العَرَضي، أو المَوسمي. التسوّل الحِرَفي، وهو مُمارسة التسوّل كمهنةٍ دائمة، وبشكلٍ يومي. طرُق مكافحة التسوّل فَرضُ الزّكاة على الأغنياء؛ فالزّكاة فَريضة أَمرنا الله تعالى بها للتقليل من الفقر، وللوقاية من الجرائم. تَدوين قوائمَ بأسماءِ الأُسر الفقيرة، وتضمينها بكافةِ المعلومات؛ كمكان السكن، وعدد أفراد الأسرة، ومصدر دخلها، ويكون ذلك من خلال الجمعيات الخيرية المَعنية بهذا الشّأن، ومن ثمّ يتم توزيع المُساعدات النقدية والعينية بشكلٍ شهري. تَقديم قروضٍ حسنةٍ للأسر الفقيرة، فَتكون مُيسرة الدّفع وبلا فوائد؛ لِيتمكن من خلالها رَبّ الأسرة من إنشاء مَشروعٍ خاصٍ به، يُغنيه عن المُساعدات. تَوفير فرصِ العمل للمتسوّل من قِبَل المؤسسات الحكومية والشّركات الخاصة، أو تعليمه حرفة مُعينة بذلك يُصبح مُنتجاً. وضع عُقوبات للمتسوّلين. نشر الوعي بين النّاس من خلال وسائلِ الإعلام، والمدرسة، وكافة الطُّرق المُتاحة لِبيان أهميةِ منع تقديم مساعداتٍ للمتسولين، وبالتالي تختفي ظاهرة التسوّل. تقديم المِنَح الجامعية للطلاب غير قادرين على إكمال دراستهم نتيجة الفقر. توفير العلاج المجاني لِكافة الأُسر الفقيرة. منح الجوائز للشّركات، ورجال الأعمال، وأصحاب الأموال، والجمعيات الخيرية لِمساهمتهم في مساعدة الفقراء، وتقديم العون لهم.

التسول هو طلب مال، أو طعام، أو المبيت من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم إما بعاهات أو بسوء حال أو بالأطفال، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم، وهي ظاهرة أوضح أشكالها تواجد المتسولين على جنبات الطرقات والأماكن العامة الأخرى. ويلجأ بعض المتسولين إلى عرض خدماتهم التي لا حاجة لها غالبا مثل مسح زجاج السيارة أثناء التوقف على الإشارات أو حمل أكياس إلى السيارة وغير ذلك. «من مال الله يا محسنين»، «حسنة قليلة تدفع بلايا كثيرة» وغيرها من كلمات المستعملة من المتسولين لاستدراج عطف وكرم الآخرين.

الطفل المتسول: هو ذلك الطفل الذي لم يبلغ سن الرابع عشر بعد، ويتخذ من استجداء الناس وسيلة للحصول على المال ويؤدي مظهره الشخصي إلى رثاء الآخرين وعطفهم عليه ويقوم بهذا السلوك عن قصد وبشكل متكرر ومنتظم ويحدث هذا السلوك نتيجة لاجبار الوالدين والقائمين على رعايته للعمل على التسول.


أسباب ظاهرة التسول تعود بشكل أساسي للفقر والبطالة وقلة الحال. إلا أن لنظرة المجتمع للتسول تختلف من بلد لبلد، ومن شخص إلى آخر، ويرى الكثير أن اعتماد الكثير على التسول كمهنة يومية تُدِرُّ دخلا معقولا سببه تعاطف الناس مع الاستجداء الكاذب للكثير من المتسولين.

التسوّل هو طلب المعونة كالمالِ والطّعام من عامة النّاس واستعاطفهم بعباراتٍ وأساليب متعددة، وهو من الوسائل التي تَجلب للمتسولّين المال دونَ عناء بِمجرّد تكلمهم عباراتٍ مُعينة، وارتدائهم لِثياب مُمزقة، فيمارسون التسوّل كمهنةٍ لهم، وتَعاطُف النّاس معهم، وتقديم المساعدة لهم يرفع نسبة دخلهم مما يجعلهم يقبلون على التسوّل بشكلٍ كبير، وبالتالي تنتشر ظاهرة التسوّل وتزداد يوماً بعد يوم. أسباب وطرق التسوّل تنتشر ظاهرة التسوّل في جميع أنحاء العالم، وهي من الظواهر غير حضارية، ولها آثارٌ سلبيةٌ فهي تَهدُرُ كرامة المتسوّل. هناك العديد من الدول التي تكافح هذه الظاهرة بكافة الطُّرق، ومن أسباب انتشارها: البطالة، والإعاقة أو العجز عن العمل، والفقر، ومن هنا لا يَصحُ وَصفُ كلّ من يتسوّل بأنّه شَخصٌ مَعدوم، بل إنَّ العَديد منهم امتهنَها لِيَجمَع المال، كما أنَّ هناك العديد منهم يُوظّفون الأطفال وحتى الرُّضع بِهدَفِ جمع المال. أشكال التسوّل تسوّل الشّخص العاجز، وفي هذه الحالة يُسمى بالاضطراري؛ لأنه لا يَملك مالاً أو وظيفةً، ولا يتوفر له مصدرٌ للدّخل، فلا يتمكن من تلبية حاجاته ومتطلباته إلّا عن طريق التسوّل. التسوّل المُتخفي أو المقنع، ويكون بِبيع سلعٍ مُعينة، أو تقديم بعضِ الخدمات كمسح زُجاجِ السّيارات. التسوّل الواضح، ويكون بطلبِ المال بشكلٍ مُباشر. التسوّل في مواسمِ الأعياد، أو في شهر رمضان المبارك، أو عند مواجهة ظرفٍ مُعين ويُسمى بالتسوّل العَرَضي، أو المَوسمي. التسوّل الحِرَفي، وهو مُمارسة التسوّل كمهنةٍ دائمة، وبشكلٍ يومي.

نسمع أحياناً  يقولون: “الله يْسهل عليك ” وهم يتكلمون برثاء وإشفاق عن الإنسان في أدنى درجات الفقر. وقد تكون العبارة للاحتقار والاستعلاء، لكن الذي يلفت الانتباه هنا هو أن هذا الفقير لا يتسول ولا يستجدي رغم الحاجة، ليس لأن الكرامة لا توزن بثمن ولكن لأن منطق الاستجداء غير حاصل.

في زمن المجاعات لا يجد الناس ما يبقيهم على قيد الحياة فيمدون أيديهم مجبرين على ذلك حتى دون شعور، لأن غريزة البقاء لها أوجه متعددة. وقد أذكر أنه في أواسط الثمانينات، كان المتسولون يمرون عبر الدروب والشوارع، يصيحون بطلب الصدقة، وكانوا يقبلون الخبز اليابس وفتات السكر وأحيانا بعض الطعام يأكلونه أمام المتصدق. ولم أكن أسمع طلب النقد ولم أر التصدق به.

تحولت الصدقة من شكلها البسيط إلى العطاء بالنقد معدنا أو أوراقا، من “حاجه ولو جنيه لله” إلى “حاجه ولو خمسه جنيه الله”، وتحول المتسولون إلى ممثلين بارعين في اصطناع حالات القهر والعوز وادعاء الأمراض الفتاكة والمصائب العظمى. كانوا يصعدون إلى الاتوبيسات والميكروباصات قبل انطلاقها بالدوْر ويأخذون ما شاء الله لهم، حسب أريحية “الزبائن” والكفاءة في الأدوار المسرحية.

ثم غيروا خططهم فاقتحموا المقاهي والمطاعم ثم ملأوا الميادين والشوارع، منهم الواقف والجالس والماشي، من يعرض عاهة أو عاهتين (عندنا في شمال سيناء متسول مشهور أصم أعمى من أغنى “محترفي” المهنة) ومنهم المرضعة كذباً وصاحبة اليتامى والذي “تقطع به الحبل” وقصص أخرى لا حصر لها.

الصدقة في الإسلام واجبة لمن فضُل عنه ما يتصدق به، وقد تُصرف الزكوات على شكل صدقات محدودة حتى تعم الفائدة على أكبر عدد من المحتاجين، لكن المطلوب في الصدقة هو التبصر وتمييز المحتاج من المحتال، رغم أن كل من يمد يده في هذا الزمن يومياً يعتبر محترفاً للتسول دون تمحيص ولا شك.

قصص المتسولين أصحاب العقارات والأملاك والأرصدة البنكية ليست خرافات وأساطير بل وقائع حقيقية تداولتها الصحافة وتناقلها المجربون في المجتمع المصري، لكن المؤكد أن محترفي التسول ليسوا كلهم من أصحاب الملايين وإنما أقلهم دخلاً يستطيع أن يجمع 1000 آلاف جنيه في الشهر بسهولة ومع قليل من هدر الكرامة، بينما هناك من المصريين  من يشتغل اليوم كله فلا يتجاوز 100ج، بمعنى أن التسول مربح دون تعب سوى تمريغ الكرامة في التراب. والمطلوب في المتصدقين والكرماء وأصحاب الأريحية أن يبحثوا عن الفقراء المحتاجين الذين “لا يسألون الناس إلحافا” هؤلاء الذين يشتغلون تحت الشمس في يوم قائظ من أجل فتات الجنيهات دون أن يمدوا أيديهم للناس، فبالأحرى أن يلحّوا على الصدقة حتى “الثمالة”.

تناقل المصريين منذ زمن اقتراح أحد المقاولين في القاهرة وظائف شغل على بعض المرتزقة  الذين يتسولون أمام أضواء المرور، فرد عليه أحدهم: " لما عارف احنا نصابين وممثلين بتساعدنا ليه". 

المتسولون هم بكل بساطة محترفون للتسول بأساليب النصب والاحتيال في القول والفعل، تجد نفسك أمام ابتكاراتهم الميلودرامية كمتأثر بفيلم سينمائي متقن لا أقل ولا أكثر، والمفروض في السلطات المصرية استعمال الجد والحزم في تطبيق القانون الذي يجرّم التسول، الذي يُظهر مصر للعالم كما لو أنه أكثر فقراً من الصومال. 

كما أن على المحسنين توجيه الصدقات لمن يستحقها من الفقراء الذين لا يغادرون كرامتهم. ولعل الله يبعث هؤلاء المحتالين دون وجوه يوم القيامة بعد أن خدشوا سمعتنا في العالم.


هناك مقولة مشهورة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، جاء فيها: (لو أن الفقر رجل لقتلته)، وتلك المقولة هي من أروع وأعمق وأخلد ما قيل.

والفقر هو الشر المستطير الذي لازم كل العصور من عهد آدم، إلى عام 2018، وسوف يستمر إلى ما شاء الله، أو إلى أن يرث الله الأرض وما عليها من أغنياء وفقراء و(صيعّيه).

لهذا يهاجر الفقراء من بلد إلى بلد للبحث عن لقمة عيشهم، وقد تبتلعهم أمواج البحار قبل أن يصلوا إلى مبتغاهم، بل وقد يتعرضون للسخرة والعبودية والضرب والتعذيب، وفوق ذلك قد يموتون من الجوع دون أن يسد رمقهم حتى خشاش الأرض.

غير أن بعضهم اضطروا لأن يمتهنوا مهنة هي أقدم المهن على الأرض، ألا وهي مهنة التسول، وهي من أسهل المهن لمن (ضرب الدنيا بصرمة)، ومن أصعبها لمن قد يقتل نفسه ولا يريق ماء وجهه.

وبعضهم قد حققوا أرباحاً وجنوا أموالاً، وإليكم بعض النماذج:

نشرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية صوراً لمتسول وهو يخرج من منزله في التاسعة من صباح كل يوم ليعود إلى منزله الفاخر بعد ثماني ساعات عمل وهو جالس على الرصيف وقد حصل على إيراد يومي من التسول يبلغ 500 دولار، أي ما يعادل 180 ألف دولار سنوياً - انتهى.

اكتشف مسؤول بإحدى شركات الوساطة في الأوراق المالية بالبورصة المصرية أن أحد العملاء لدى شركته يعمل متسولاً في الشارع، ويقوم بعمليات إيداع أسبوعية تصل إلى 10 آلاف جنيه، حتى وصل حجم محفظته التي يستثمرها في البورصة إلى 400 ألف جنيه في عام واحد - انتهى.

غير أن هناك متسولين (First Class): حيث ألقت شرطة دبي القبض على 70 متسولاً، في إطار حملة «معاً لمكافحة التسول»، وكان من بينهم متسولون يقيمون في فنادق خمس نجوم، ودخلوا إلى الإمارات بتأشيرة رجال أعمال - انتهى.

أما الذي لا يستحي ولا يسلم من النجاسة، فهو متشرد أميركي تقدم يشحذ من رجل مسن جالس في سيارته، وعندما نهره الرجل ورفض أن يعطيه شيئاً، ما كان من المتسول إلا أن يسكب عليه مادة سريعة الاشتعال، ويموت المسكين وهو داخل سيارته.

ومن وجهة نظري فإن أعظم المتسولين هو البريطاني ألبرت غريف، الذي ظل طوال حياته أعزب ينام تحت الكباري، وعندما توفي وهو على مشارف التسعين من عمره، وجدوا لديه 160 ألف جنيه، ووصية يتبرع بها كلها للحكومة دعماً منه للمجهود الحربي، وكان ذلك إبان الحرب العالمية الثانية، فما كان من الحكومة إلا أن تمنحه وسام الشرف.

نسمع أحيانا المغاربة يقولون: “والله يْلا دايزة فيه الصدقة” وهم يتكلمون برثاء وإشفاق عن الإنسان في أدنى درجات الفقر. وقد تكون العبارة للاحتقار والاستعلاء، لكن الذي يلفت الانتباه هنا هو أن هذا الفقير لا يتسول ولا يستجدي رغم الحاجة، ليس لأن الكرامة لا توزن بثمن ولكن لأن منطق الاستجداء غير حاصل.


في زمن المجاعات لا يجد الناس ما يبقيهم على قيد الحياة فيمدون أيديهم مجبرين على ذلك حتى دون شعور، لأن غريزة البقاء لها أوجه متعددة. وقد أذكر أنه في أواسط الستينات كان المتسولون يمرون عبر الدروب والأزقة يصيحون بطلب الصدقة، وكانوا يقبلون الخبز اليابس وفتات السكر وأحيانا بعض الطعام يأكلونه أمام المتصدق. ولم أكن أسمع طلب النقد ولم أر التصدق به.


تحولت الصدقة من شكلها البسيط إلى العطاء بالنقد معدنا أو أوراقا، من “شي ريال على الله” إلى “شي درهم على الله”، وتحول المتسولون إلى ممثلين بارعين في اصطناع حالات القهر والعوز وادعاء الأمراض الفتاكة والمصائب العظمى. كانوا يصعدون إلى الحافلات قبل انطلاقها بالدوْر ويأخذون ما شاء الله لهم، حسب أريحية “الزبائن” والكفاءة في الأدوار المسرحية.

التسول.. بين الاحتياج والامتهان


لم أتفاجأ كثيرا عندما رأيت أرقاما تجعل بلدي العزيز يحتل لفت الانتباه لها من أجل العمل على إيجاد حلول قد تساهم على الأقل في تقليصها لأنه صعب جدا أن تجتث من جذورها الضاربة في العمق. المرتبة الأولى لمجموعة من الدول العربية من حيث عدد المتسولين. كانت دهشتي قد بلغت ذروتها قبل نشر هذه المعطيات بأسبوع فقط، كنت في طريقي إلى العمل عندما تقدم نحوي أربعة شبان في مقتبل العمر وكل منهم يطلب أن أساعد بما "كتب الله ". صُعقت حينها لأن الأربعة يتمتعون بصحة جيدة ولا يبدو عليهم أثر الإدمان أو التشرد بل خُيل إلي في أول الأمر أنهم يهمون بقطع الطريق قبل أن يتقدموا واحدا تلو الآخر نحو السيارة راجين كرما وجودا في هذا الشهر الفضيل، صدمني المشهد وصرت أُحلله وأُناقشه دون أن أفكر إطلاقا في مساعدتهم بل كنت في المقابل سأهم بمساءلتهم عن السبب الذي جعل شبانا يلجؤون إلى التسول وهم في مقتبل العمر عوض أن يبحثوا عن عمل شريف يضمن لهم قوت يومهم ويحفظ ماء وجهوههم.

  

لقد بلغ الفشل بجِيلنا مبلغا مخجلا، ألهذه الدرجة صرنا نفضل الأشياء الجاهزة والتي تأتي بأقل مجهود ممكن؟ من السبب يا ترى هل الدولة التي لا تبذل الكثير من أجل محاربة الهدر المدرسي والتي لا تعمل جاهدة على توفير فرص للشغل فتدفع بالعاطلين عن العمل إلى البحث عن لقمة العيش بكل الطرق المتاحة ويكون أسهلها هو التسول؟ أم أن الآباء يتحملون جزءا أكبر من المسؤولية عندما يعجزون عن تربية أبنائهم تربية صالحة لِيجعلوا منهم أشخاصا مسؤولين وطموحين مقبلين على الحياة ومستعدين للقتال من أجل تحقيق أهداف نبيلة عوض الاستسلام لليأس واتباع أقصر الطرق وأقلها تكلفة من حيث المجهود والوقت. ولربما يعود الأمر لفشل منظومة التعليم أيضا والتي أصبحت تُنتج أعدادا مهولة من العاطلين عوض أن تُنتج طاقات قابلة للتأقلم مع سوق الشغل وقادرة على الإبداع واستغلال الفرص المتاحة لتسلق سلم النجاح.

ما أعجز عن تقبله هو تسول الرجال وهم بصحة جيدة وأُدخل في هذه الخانة حتى المهاجرين الأفارقة واللاجئين، وحتى غير اللاجئين الذين يعمدون على تقليد لهجة اللاجئين

آلمني ما رأيته كثيرا وعجزت عن تفسيره، نقبل عادة بالمتسولين ونساعدهم عندما يتعلق الأمر بمسنين وبذوي الاحتياجات الخاصة، لأننا ندرك جيدا أنه هناك نقص مهول في المشاريع والقوانين الخاصة بحماية هاتين الفئتين. نعترف والألم يقطع أوصالنا أن الظلم والجهل يفتكان بهؤلاء، فالمؤسسات الخاصة بهم غير كافية ربما أو أنها لم تنضج بعد لتقوم بدورها على أحسن وجه، وحتى انعدام الوعي في المجتمع يساهم في تفشي ظاهرة تسول ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، فهناك من الأسر من يستغل وضعيتهم ليؤثر في قلوب المارة.

أتفهم حالة هؤلاء وأتقبلها بكل أسف لأننا كلنا مسؤولون عن وضعيتهم، ولربما أميل أيضا، في بعض الأحيان، إلى تقبل التسول من النساء وهن بصحة جيدة ويصطحبن أطفالهن في هذه المهمة "الشاقة"، رغم أن الأمر يُثير غضبي لأن عقلي يعجز عن تقبل أم تدفع بابنها للتسول واستغلال صغر سنه ونحافة جسمه لطلب عطف الناس في الشوارع. ففي نظري الأمومة أسمى وأعمق من كل ذلك، وهي إحساس عظيم وقوي يجعل الأم تصل الليل بالنهار وتعمل بجد وكد لتوفير لقمة العيش لصغارها عوض عرض أجسامهم الصغيرة المرتجفة في أيام البرد القارس أو تحت الشمس الحارقة من أجل استفزاز عطف وكرم المارة الذين منهم من يستجيب لنداء قلبه وهو خجل من نفسه ومن وخز الضمير فيساعدها بأعين دامعة ومنهم من لم يعد يضعف أمام مشهد مماثل بعد انتشار العصابات التي تقوم باستغلال الأطفال وتمتهن التسول.

ولكن ما أعجز عن تقبله هو تسول الرجال وهم بصحة جيدة وأُدخل في هذه الخانة حتى المهاجرين الأفارقة واللاجئين، وحتى غير اللاجئين الذين يعمدون على تقليد لهجة اللاجئين. لا أستطيع إطلاقا تقبل الأمر فكيف لشخص في كامل قواه الجسدية والعقلية أن يجعل من التسول مهنة له في ظل صمت مخيف للسلطات، كيف لا يحاول هؤلاء البحث عن عمل ونحن في بلد لا زال يُعتَمد فيه على القدرات الجسدية أكثر من المهارات الفكرية والشواهد العلمية. ماذا يمنع هؤلاء من القيام بأي عمل واستغلال قوة أجسامهم لكسب قوت يومهم. لا أعتقد أن الحاجة ملحة لدرجة تستوجب سحق الكرامة والاستعجال في طلب الرزق السهل الهين.

أحترم كثيرا ذاك المهاجر الإفريقي في حينا الذي أَعْمَلَ عقله واختار أن يطلب عطف المارة بطريقة ذكية جدا عندما اقتنى مكنسة ينظف بها أزقة الحي، وفي المقابل يجود عليه سكان الحي كل حسب إمكانياته بل منهم من يُوفر له طعام يومه، أبتسم عندما أراه كل صباح وهو ممسك بمكنسته وأحترم كثيرا روحه المحبة للإحسان وإعمار الأرض ونخوته الرافضة للتواكل والعيش متطفلا على الآخرين. بل إني أجد فيه درسا في التفاؤل وفي تحويل الظروف واستغلالها لصالحنا.

أدرك جيدا أن هذا الموضوع شائك جدا، وفيه صراع كبير بين ما يفرضه العقل وما تُمليه العاطفة وما يدفع إليه الوازع الإنساني، لربما تختلف الأسباب الدافعة بهم للتسول، ولربما ما نجهله أعظم مما نعلمه وعرض كل هذا مع جميع وجهات النظر المصاحبة لها يتطلب مدادا وأوراقا كثيرة، لذلك تظل هذه مجرد محاولة متواضعة لتسليط الضوء على هذه الظاهرة المتفشية جدا في مدننا الجميلة والتي تتفاقم بحلول شهر الخير، فكما يستغل التجار جوع الصائمين لبيع سلعهم الشهية بأغلى الأثمان رغم رداءة جودتها، يعمل المتسولون أيضا على استغلال رغبة الصائمين في التقرب من الله واكتساب الثواب بعرض آفاتهم -التي قد نكون مُفتعلة- وفقرهم بطرق مؤثرة أمام محلات أولئك التجار ليتجاوز عدد المتسولين عدد الزبناء، وهنا يستوقفني سؤال لماذا لا يستغل هؤلاء المتسولون الإقبال الكبير على هذه المحلات التي يتضاعف عدد عمالها في رمضان والقفز للجهة الأخرى لطاولة عرض السلع بإيجاد عمل حتى وإن كان مؤقتا في هاته المحلات…هي أسئلة كثيرة تظل عالقة بدون إجابات قطعية ما دُمنا نجهل الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة ومادام هنالك من يمتهن التسول ليس احتياجا وإنما لقِصَر وسهولة الطريق المؤدية للقمة عيش مغمسة في "اللاكرامة".