علي بانافع
صدرت حركة النقل يوم الأربعاء الماضي 1438/12/23 وكنت في عداد المنقولين من مدرستي الأثيرة ابن الأثير المتوسطة إلى مدرسة ابن خلدون الثانوية على غير رغبة مني في النقل، والعجيب في الأمر أن كليهما مؤرخين عظيميين بل من الكُتاب الموسوعيين الذين يأخذون من كل علم بطرف -كما هم كُتاب ذلك الزمان- والمنقول هو معلم للتاريخ، ولعل النقل فيه خير عظيم ومن باب قوله تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
يقول الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) في كتابه "حياة في الإدارة": (تذهب مقولة شائعة إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يبدأ حياته رسمياً إلا بورقة إدارية هي شهادة الميلاد ولا يستطيع أن يُنهيها رسمياً إلا بورقة من جهة إدارية أخرى هي شهادة الوفاة، ولا شك أن هذه مقولة صحيحة إلى حدٍّ كبير) وبشيء من التعديل تبدأ علاقة المعلم -منذ يومه الأول- بالمدرسة بورقة المباشرة وتنتهي بورقة إخلاء الطرف، وبينهما يرى القيادة الإدارية العبقرية ويرى القيادة الإدارية التقليدية، فالقائد العبقري يشق طريقاً جديداً وقد يكون الطريق الجديد وعراً أو ملتوياً، لذلك كان من صفات العبقري أنه يسبق حتى ما يتعلق بغباره وقد يتعثر ويتأخر ويعلو وينخفض، والتقليدي يسلك الطريق المعروف وقد يجيء في أول الركب يسير بسرعة واحدة غالباً لا يسبق سبقاً بائناً ولا يتخلف تخلفاً شائناً.
ويرى المعلم عدة شخصيات من القادة الإداريين فمنهم: البشوش والعابس والعصبي والهادي والمزاجي والمتقلب ...الخ، والقائد الذي يؤمن باللوائح والأنظمة والقائد الذي يؤمن بالكلمة الطيبة، على أن أهم ما يتعلمه المعلم -وهو معلم- وهو درسٌ يبقى معه إلى نهاية حياته المهنية، هو التفرقة بين القائد القوي الشخصية والقائد الضعيف الشخصية، القائد الذي يتمتع بالشخصية القوية يسيطر على المدرسة بسهولة ودون وعيد أو تهديد، أما القائد الذي يفتقر إلى الشخصية القوية فإنه يعجز عن السيطرة على المدرسة، فما هو السر وراء قوة الشخصية؟! هذا سؤال من الأسئلة التي حيّرت البريّة -ولا تزال تُحيِّرها- والحقيقة أن الشخصية القوية تشعّ إشعاعاً لا يُخطئه أحد في المدرسة وخارج المدرسة وفي كل مكان في مهنة التعليم وفي كل مهنة.
لقد بلغت من السنِّ ما لا يتأثر بمدح أو ذم وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، فكان خلاصة ما تعلمته في هذه الحياة أن الصدق وحده هو الذي يؤدي إلى كل خير في الدنيا والآخرة، فمن أراد الخير كله لنفسه قبل غيره فعليه بالصدق، إن الكلمة الصادقة هي التي تفيد الناس لأنها تؤثر فيهم، وهي التي تمكث في الأرض ولا تذهب جفاء، والكلمة الصادقة إذا أراد بها قائلها أو كاتبها وجه الله أثمرت مرتين وآتت أُكلها ضعفين، لقد سمعت من قادة إداريين وتربويين كلمات ماتت كلماتهم قبل أن يغادورا قاعة اجتماعاتهم وقرأت خطابات لآخرين فماتت خطاباتهم قبل أن نُكمل قراءتها، فما أحرى القادة أن يحرصوا على الصدق في القول والعمل، وما أحراهم أن يسجلوا الكلمة الصادقة وما أحرانا جميعاً أن نبتغي ونريد وجه الله فيما نقول ونعمل، ربما ينجح القائد الكاذب الذي يريد وجه الشيطان ساعة ولكنه لا ينجح إلى قيام الساعة، تلك هي عصارة تجارب الأولين والآخرين في كل ميدان من ميادين الحياة، فمن أراد أن يأخذ بها خدمة لنفسه ولدينه ولأمته فليفعل والعاقبة للمتقين، ومن أراد أن يرفضها اليوم لسبب أو لآخر فسيأخذ بها غداً وإلا سيموت واقفاً وهو على قيد الحياة ..