Image title

علي بانافع

      الشرق الأوسط -للأسف الشديد- مصطلح وتعبير يتردد كثيراً على كل لسان من باحثين ومؤرخين وسياسيين وأكاديميين، وهو يمثل قمة الاستلاب الثقافي والتبعية الفكرية في أبشع صورها؛ فالمقصود بالشرق الأوسط هو (نحن) فأي بلاء وأي تفريغ ثقافي أفظع من أن نتحدث عن أنفسنا بلفظ (هم)، ومن العجيب أن المستشرق اليهودي برنار لويس؛ وهو يحكي قصة هذا المصطلح لا يفوته أن يسخر من شعوب الشرق الأوسط وهي تستعمل هذا التعبير قائلاً: (أول من أطلق هذا التعبير المؤرخ البحري الأمريكي الفرد فاير ماهان أطلقه في سنة 1902م ليدل به على المنطقة الواقعة بين الهند وشبه جزيرة العرب، والخليج الفارسي كمركز لها من وجهة النظر الاستراتيجية البحرية، إلا أن صحيفة التايمز اللندنية تبنت هذا التعبير وتبعتها فيما بعد الحكومة البريطانية، وهكذا شاع استعمال هذا التعبير إلى جانب تعبير آخر سبقه بقليل وهو الشرق الأدنى، فكلا التعبيرين حديثان ولكنهما ليسا عصريين؛ فهما من مخلفات عالم تحتل أوروبا الغربية وسطه مستقبطة المناطق الأخرى حولها، وعلى الرغم من أحد هذين التعبيرين قد بطل استعمالهما فقد حظي الشرق الأوسط بقبول عالمي، وهو يستعمل الآن للدلالة على تلك المنطقة من قبل الروس والأفارقة والهنود، الذين يشكلون على التوالي حدوده الشمالية والجنوبية والشرقية، ومن الغريب أن شعوب الشرق الأوسط نفسها تستخدم هذا التعبير).

  إن فهم عقلية الغرب والشرق تجاهنا ضروري ويحل كثيراً من التناقضات في فهمنا للأمور وتخوين بعضنا بعضا، العالم العربي مهم لهم والشرق الأوسط منه بالذات؛ وأي محاولة لتوحيده أو لم شمله تُحارب سواء كانت قومية أو دينية أو غير ذلك، لذلك اُستخدم الإسلاميون لمحاربة الفكر القومي بداية ويُستخدم اليوم القوميون لمحاربة الفكر الإسلامي، ويجرى الآن استخدام الطائفية للتفريق بين أبناء المنطقة، يجب فهم تحركات الغرب والشرق بعناية لا بإنفعالية، تهييج المشاكل فيما بيننا صنعة يجيدها العدو فينا، لأننا أهل عاطفة أكثر من العقل، وأهل اندفاع نحو المخاصمة أكثر من الموادعة، ونساهم في خلق المشاكل وتكبيرها من تصغيرها وطمس آثار العداوة المتولدة نتيجة ذلك، المشكلة ليست في العامة بل في الخاصة من مثقفين ومفكرين الذين يهمهم الدفاع عن ذواتهم الشخصية لا عن حال العرب والمسلمين عامة، والبقية لا يخمدون حرائق المشاكل بل يزيدون النار حطباً؛ فلا تصدقوا كثيراً ممن يتكلم أو يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي أنه يريد مصلحة الأمة فكثير منهم همه الانتقام لنفسه ولفكره وليس دفاعاً عن الأمة، ولا أريد أن أذكر أمثلة لأن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقولون ..