لا يلتزم القهر بجرعة محددة، فنجده يمور وينفجر في جنبات أفئدة صراخها كصراخ الصور، تجاوزنا كمد الموت ونحيبه وبات الموت نعمة في زمن أصبح فيه طاغوت الظلم يتبجح منفردا على هامات أصبحت واهنة ويتربع على كرامات تعفرت بالضيم عنوة وصار الترح يترنح في زوايا صباحات البشر اليومية وأصبح طعم القهوة الصباحية كطعم هباء القبور.

هل فكرت يوما كيف ستموت؟ هل تمنيت ميتة سخية بالمراسيم وجثة مكتملة بالتقاسيم؟ هل تفضل كفنا من تراب أو أن تسجى بأدعية الأمهات؟ هل تخاف أن توافيك المنية وحيدا؟ أو تتمنى أن تقتلع روحك برفقة آخرين يعز عليك أن ترحل من دونهم حتى لا ينفرد بهم طاغوت الظلم؟

أي زمن هذا الذي يجعلنا نتمنى الموت على عجل، نتمناه من دون ألم، سريعا يقذفنا خارج أسوار السماء لنخلي سبيل زفيرنا الأخير الذي سيحررنا من بغض ما عشناه في دنيانا البائسة التي جعلت النسيان ضامرا ومتقاعسا عن أداء واجبه بكتمان الأحداث والمواقف التي نحاول دفنها في أجواف قلوبنا. . لو ماتت أحسنلها " الجملة التي قذفتها صديقتي أمامي بعد سرد قصة فتاة اغتصبت أمام أفراد عائلتها في إحدى الدول العربية التي تشهد حربا وصراعا بسبب ما تم تسطيره في ردهات السياسة من قبل مهرجيها، لم تعلم صديقتي أن هذه الفتاة ماتت قبل أن تموت وقبل أن يغدقوا عليها التراب، ولم تكن تدري أن الموت ليس برميك داخل جحر بعد انتزاع روحك بل هو بألم يعتصر داخلك وانت تقف عاجزا عن حل لغز فجيعتك التي حلت فوق رأسك. . كتلك الفتاة هناك الملايين من البشر الذين ماتوا قبل أن يموتوا، سقمت الدنيا من نكباتهم، نهرب من حفظ تفاصيل قصصهم وأسمائهم حتى لا يعلقوا بذاكرتنا ويشبوا داخلنا،ونصدم من فحوى هذه القصص التي بدأت تنتشر خلال السنوات الأخيرة بسبب معارك فناء صفعتنا ونحن نحاول أن نستيقظ من سبات دام لسنوات لكن بدل الصحوة سقطنا.

أبطال هذه القصص تشهد أرصفة مدنهم وأقفال زنازينهم وحيطان منازلهم على عدد الجنازات التي احتضنوها وعلى عدد الدموع التي تقيحت من عيونهم وعلى عدد الأدعية التي رتلوها. حتى الموت خجل منهم

هل جبلت شعوبنا على الحزن والشقاء؟ لماذا نحن من نتصدر عناوين نشرات الأخبار اليومية؟ لماذا تتنوع همومنا ما بين أوطان تزف إلى الأفاكين من السياسيين وما بين شباب أحلامهم مختلسة وما بين حروب أنهكت قوانا وما بين دعاة نمقوا الموت وظنوا أن مفاتيح الجنة في جيوبهم وما بين شهوة فساد هوجاء وما بين ثورات غارت قبل البلوغ.

سنقاوم الموت كما ينبغي رغم أن السياسيين وبعض رجال الدين والظلم والحروب يقنعوننا دوما أن مقاومة الموت خنوع وهوان لكنهم تناسوا أن الموت هو الشيء الوحيد الذي سيمتطينا جميعا وان المقابر لا تشبع وأن النهايات ليست في القبور.