يؤمن العديد من أفراد شعوب منطقتنا أننا ضحايا للمؤامرات والدسائس والهرطقات السياسية التي استهدفت الشرق الأوسط الذي شهدت بلدانه أكثر من 10 حروب، ومن يتابع دوي عظمة الأحداث التي تعصف بسدفات يومياتنا يوقن أن الأيام القادمة ستفيض بالنوازل والصدمات.

العديد من الأحداث والأزمات نشبت في المنطقة منذ ولادة اتفاقية سايكس بيكو التي أنجبت وعد بلفور عام 1917، 100 عام مرت ونحن لم نتقن مهارة الانتصار ونشر الوعي في منطقتنا التي تعتبر من أكثر المناطق في العالم خصوبة بالتحالفات السياسية والنزاعات الطائفية والثروات والجهل السياسي.

حروب وصراعات تربعت على أحلام أجيال أصبحت هاماتهم واهنة، خسائر مادية وسرقات تقدر بالتريليونات من الدولارات بسبب الفساد والأزمات الداخلية وتغذية الحروب والصراعات، كما حصل في العراق الذي أحتل عام 2003 بسبب المخطط الذي تم رسمه من قبل بوش وأعوانه لبسط نفوذ السطوة الأمريكية ولإسقاط المنطقة من خلال حجة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل والتي لم يثبت وجودها حتى الآن، ورغم أن العراق يمتلك رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم، وتبلغ ميزانيته السنوية نحو 850 مليار دولار إلا انه بسبب الفساد تجاوزت ديونه 100 مليار دولار ويقبع الملايين من سكانه في دائرة الفقر المدقع، وانتشرت أيضا آفة فوضى السلاح في العديد من الدول التي غرقت في بوتقة الصراعات والحروب التي برزت بعد انتشار حمى الثورات منذ حوالي 8 سنوات، والتي قدمت أكثر من 14 مليون لاجئ وأكثر من مليوني قتيل وجريح ودمرت آلاف المدارس حيث يقدر عدد المدارس المدمرة في سوريا وحدها 7000 مدرسة، وتسللت المجاعة بين المدنيين وأعلن عن انعدام الأمن الغذائي بين الملايين الذين أقحموا في الحروب كما حصل في اليمن، وتولدت مشكلة الحدود الرخوة بين الدول التي غاض أمنها بسبب الصراعات، فساهمت هذه المشكلة في تعزيز نشاط الجماعات الإرهابية والفصائل المقاتلة والعصابات التي امتهنت تهريب السلاح والإتجار بالبشر، ومنذ شهر واجهت شعوب المنطقة مؤامرة جديدة تتمثل بما أعلنه سيد البيت الأبيض دونالد ترامب صاحب الشخصية المنغمسة بمرض جنون العظمة والذي أوفى بوعده الانتخابي وأعلن القدس عاصمة لإسرائيل.

إلى أين ستأخذ “الحسابات الترامبية” المنطقة؟ وهل سنشهد قرارا أكثر فتكا؟ وهل كان رد من يؤمنون بالقضية الفلسطينية بحجم مقدار الأزمة التي وضعها ترامب في وجه الجميع؟ أم ستكون هذه النكبة بداية لحرب جديدة ستشهدها المنطقة؟ هل الربيع العربي لم يكن إلا مقدمة للأحداث الأخيرة؟ وهل سينجح ترامب وكوشنير في تنفيذ بنود صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية؟

يؤمن ترامب ومن يتبع أطر تفكيره السياسي أن الاحتجاجات التي ولدت مؤخرا بسبب قراره ستخف حدتها مع مرور الوقت، وذلك بسبب أن شعوب المنطقة يعانون من هيمنة الفساد على مفاصل حيواتهم وبسبب أن هممهم صهرت بفعل الصراعات السياسية والحروب، وتداول عبر المنصات الإخبارية أنه قد تم تحديد المدة الزمنية المتوقعة لانطفاء هذه الاحتجاجات خصوصا في فلسطين المحتلة التي يحاول أهلها إبقاء وتيرة حركة الاحتجاجات مستمرة رغم كل الضغوطات والخسائر.

ليس هذا القرار فقط ما يثير قلق الأوساط السياسية بل ما سيتبع هذا القرار من أحداث ستشهدها المنطقة والتي قد تكون أكثر خطرا، من أهمها هدم المسجد الأقصى المبارك لبناء هيكل سليمان المزعوم، وعلى ما يبدو فإن قرار ترامب الأخير ليس إلا بالون اختبار لرصد ردود أفعال المسلمين والعرب حول ما هو قادم وما ستشهده المنطقة خصوصا ما يتم تداوله حول صفقة القرن.

ونلاحظ أنه خلال الأيام الماضية حدوت تغيرات سياسية متسارعة، وطلاق بائن بين العديد من دول المنطقة إضافة إلى إعادة تشكيل محاور جديدة طفت خارج المربعات التقليدية للتحالفات كما حصل بين تركيا والسودان، ولا يخفى على المرء أن هذه الخرائط الجديدة للتحالفات والصفقات والقرارات السياسية القادمة ستولد أزمات وصراعات غالبا ستدفع ثمنها الشعوب التي اعتادت على دفع فواتير الهرطقات السياسية والحروب والأزمات.