اتصف العرب منذ فجر التاريخ بصفاتٍ حميدةٍ لا يزال أبناء جنسهم يفخرون بها إلى اليوم، فكانوا -رغم جاهليتهم العقدية- لا يتنازلون عن مكارم الأخلاق، بل يعدونها مما يفتخر به المرء في شعره. ولعل من أبرز هذه الصفات؛ الغيرة. يقول عنترة بن شداد العبسي:

وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي

                               حتى يُواري جارتي مأْواها

ولما بزغت فجر الإسلام على هذا الكون، كان من ركائزه الأساسية التأكيد على مكارم الأخلاق، فقد قال النبي ﷺ: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فاجتمع للسابقين الأولين من هذه الأمة ماكان لأسلافهم من أخلاق العرب وما أضافه لهم هذا الدين العظيم من التأكيد على هذه الأخلاق. فكان أصحاب םבםב ﷺ مضرب المثل في الغيرة، فقد قال النبي ﷺ حين روى لأصحابه ما رأى ليلة أُعرج به: "ورأيت قصراً بفنائه جارية فقلت لمن هذا؟ فقالوا لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك. فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟". وهذه أسماء بنت أبي بكر تصف زوجها الزبير بن العوام، فتقول: "وكان من أغْيَر الناس". والأمثلة كثيرة.

فكانت هذه أخلاق العرب الذين زادهم الإسلام تهذيباً وشموخاً حتى إذا كنا في هذه الزمن الذي اختلطت فيه الكثير من المفاهيم، وأصبح كثير من الناس لا يميز الحق من الباطل، ظهرت علينا أمور منكرات، وتخلى الكثير من الناس عن كريم الصفات. فبعد أن كان الرجل قيّماً على بيته، قائماً على حاجاتها، أصبح لاهياً في اتباع ملذات حياته، غافلاً عن القيام بحاجات أهله، ففتح عليهم باباً للخروج إلى الأسواق وغيرها ساعات طوال لا يعلم فيها شيئاً عنهم، لا تحركه عاطفة الحب والرحمة، ولا الأخلاق والغيرة!

ثم اكتمال نصاب الإنفلات الأخلاقي مع ظهور وسائل التواصل الإجتماعي. فمن يتصور أننا نعيش في مجتمع يرفض معظمه أن تخرج امرأته كاشفةً لوجهها، لكن بعضهم لا يأبه أن تصور نفسها في "سناب شات" وغيره، وليت التصوير كان محدوداً، بل إنه أصبح آفة اجتماعية لا تكاد تخلو منها مناسبة نسائية، فتتعرض للتصوير الراضية به والغافلة عنه. وبعد أن كان بعض العقلاء يحذر وينصح من انتشار التعري في المناسبات النسائية، أصبح تصوير المتعريات أمراً عادياً لدى بعض النساء، نسأل الله السلامة والعافية.

ما يبعث العجب في مجتمعنا اليوم هو ذلك التناقض العجيب بين أفراد البيت الواحد؛ رجاله ونسائه. فبينما بعض الرجال يجر "مشلحه" خيلاء في المناسبات، ولا يزال يتحدث عن صولات وجولات الآباء والأجداد، وعن شموخهم وعزّهم وكرم أخلاقهم، حتى إنك لتراه يحكي انتفاخاً صولة الأسد، تجده إذا دخل بيته انقلب رأساً على عقب، فلا أمر له ولا نهي، وحُقّ لمن عجز أن يربي النساء، أن يضع على وجهه ما يستره في مجالس الرجال.

قد يرى البعض في هذه الكلمات حدةً في الأسلوب، ولكن "أول خطوة نحو إيجاد الحلول هو الإعتراف بالمشكلة"، وهذه القاعدة من أكثر القواعد المهمشة في مجتمعاتنا. ولذلك فإن هذه الأسطر السابقة موجهة لمن يستشعر أهمية الأخلاق والحفاظ عليها في ديننا الحنيف، أو على أقل تقدير لمن لا يزال يحمل بين جنبيه حمية العرب وأخلاقهم.

فيا معشر الرجال: إن لم نكن كالسابقين الأولين في غيرتهم على محارمهم، فلنكن كأعراب الجاهلية الذين لم يجهلوا أهمية هذه الصفة الحميدة كما يجهلها عرب اليوم الذين تعج ثقافتهم بمفاهيم متناقضة!