علي بانافع
قانون التدافع هو قانون كوني وسنة قدرية أراد الله بها حفظ العالم من الدمار التام وتلاشي بني الانسان وهلاك نسلهم، والتدافع يكون بين جنسين أو قوتين من أهل الأرض؛ فيأمن الفقراء والضعفاء ويأمن عامة البشر، وتستمر الحياة ولا يختل التوازن في وجود البشر، والواقف على التاريخ يرى صور هذا التدافع واضحة بين الإمبراطوريات والقوى المتصارعة، كما حصل بين فارس والروم وبين بابل وفارس وبين روما وقرطاجة، حيث تدفع كل قوة قوة أخرى ربما أكثر شراسة منها وظلماً؛ فيأمن الناس وهذا ما حصل أخيراً في الحرب العالمية الثانية من دفع شرور هتلر بتحالف القوى الكبرى عليه وإزالته وإعادة بناء ما دمره في أوروبا، وكذلك ما حصل بين الاتحاد السوفيتي سابقاً والولايات المتحدة ولاحقاً بين الغرب عموماً وروسيا، وأكثر دول العالم اليوم محمية بهذا التدافع الدولي.
وكانت دولة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وبعدها دولة الأمويين ثم العباسيين فالعثمانيين من أعظم الدول التي دفع الله بها عن العالم وبني الإنسان ونشر بها العدل والإيمان والسلام، والأصل أن الله يدفع أهل الباطل بأهل الحق حتى يعم الإيمان والعدل والخير، ويأمن الناس على أديانهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم، وكما قال الله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗإِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40]، وكذلك في قصة طالوت التي انتصر فيها على جالوت عقب الحق سبحانه بقوله: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة:251].
ولكن قد يدفع الله أهل الباطل بأهل الباطل كما في حديث أبى هريرة عن النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:(إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ) أخرجه البخارى فى (كتاب المغازى) برقم: (4204)، وعن أنس وغيره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله يؤَيِّدُ الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لا خَلاقَ لَهُمْ) رواه أحمد وابن حبان والنسائي والضياء وغيرهم، وهو حديث حسن تشهد له رواية البخاري عن أبي هريرة، ومحصل الروايتين: أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم أي: لا إيمان لهم، وقانون التدافع هذا جارٍ وباقٍ إلى يوم القيامة، وقد لا تتسع له أعمارنا لمشاهدة نتائجه ونحن نشهده -أحياناً- بحسب ما قُدِّرَ لنا من أعمار، وقد يشهده أبناؤنا وأبناؤهم، والله لا يخلف الميعاد جل في علاه.