Image title

علي بانافع

       في ظل تقدم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، يعرف العربي السُّني أن العالم كله يعيش أزمة سياسية وعسكرية مع الإسلام السُّني، العروبة والسُّنة مستهدفان من الغرب  الصليبي والشعوبية الحاقدة، بينما تتربع في صحفنا وقنواتنا الفضائية شخصيات وثيقة العلاقة بالغرب تُؤكد لنا أن عصر الأديان قد انتهى؟! وأنه لا أحد يهتم بالدِّين إلا المتطرف، وأنه لا علاقة للدين بالسياسة؟! كيف يُصَدِّقَهُمْ العربي السُّني؟! كيف لا يَشُكْ في نواياهم؟!

       الغرب بشقيه الشرقي والغربي يخشى تحرر العرب السُّنة وقوتهم، كما يخشى انبعاث القومية العربية في الخمسينات الميلادية من القرن الماضي، لأنها كانت تعني إخراج النفط العربي من سيطرته، بل وكما حارب الليبراليين في مطلع القرن الماضي لأنهم -أيضاً- كانوا يشكلون ولو محاولة فاشلة لإنهاض الأمة، كذلك يخشى الغرب الآن نفس البعث تحت راية عربية سُنِّية، بل وخشيته أشد لأن ساحة المواجهة تصبح أكبر؛ ولأن خبرة الغرب تؤكد له أن حركة عربية وطنية معارضة للسيطرة الأجنبية تحت راية الإسلام السُّني بالذات هي أقوى وأخطر وأقدر على النجاح من أية حركة أخرى ..

       وفي صحافتنا وإعلامنا -أيضاً- ينطلق من يحملون أسماء عربية وأحياناً إسلامية يهاجمون العرب السُّنة ويحرضون عليهم، يعزفون نغمة إسرائيل والغرب الصليبي، وفي نفس الوقت يُخدرون العرب السُّنة بنفي وجود مؤامرة عليهم ويرددون وهم يبتسمون في إشفاق من جهلنا إن هذا من نسج خيال المتطرفين والمتعصبين منا، فالغرب يقوم على مبادىء الحرية والعدالة وزادته التكنولوجيا تسامحاً فلا توجد خلافات طائفية ولا اضطهاد للأقليات إلا في بلاد العرب وخصوصاً السُّنة منهم؟! أما في الغرب بل حتى في إسرائيل فهناك دولة العلم والتسامح والحقوق المتساوية، ولو أن للعرب السُّنة في العالم كله عنقاً واحداً لقطعوه واستراحوا؟! هذه الأسماء قالت الكلام نفسه منذ نكبة العرب في فلسطين 1948 وكان يجري عليها ما يجري في حلب والموصل، وقالوا الشيء نفسه وحتى يومنا هذا.

       صحيح أن التسامح بغير قوة تحميه هو أشبه بالعجز؛ وصحيح أننا ندفع الثمن، ولكن هو ثمن الضعف وليس عقوبة المبدأ الأسمى، فعندما كُنَّا أقوياء منحنا العالم والشعوب التي نعمت بالسلطة العربية السُّنية أزهى وأسمى عصور التسامح والتعايش من القرن  السابع حتى الحادي عشر، وانظر حولك في العالم القديم كله لن تجد إقليماً ولا بلداً تتعد فيه الأديان والطوائف والقوميات واللغات والألوان إلا ما حكمه العرب السُّنة، بل في الشرق الأوسط وُجِدَتْ ثلاث دول لا يحكمها العرب السُّنة ولم تعرف التعايش بل التذابح والشقاق والطائفية وهي: إسرائيل ولبنان وقبرص ..

       لقد كانت القرون الخمسة الأولى التي ساد فيها الإسلام العربي السُّني هي حقاً قرون التعايش الإنساني ثم هب الإعصار الصليبي الأول وزحفت عصور الظلام وراتفعت راية الجنس الواحد والدين الواحد والعنصر الواحد وما زالت تُغِّرِقْ العالم في الدم، إن التاريخ مرصوف بضحايا دعوات التوحيد والضم والنقاء، ولكن الإنسانية عطشى لدعوة التسامح والتعايش للذين يؤمنون بأن الناس وُلِدُوا مختلفين وأن خلافهم رحمة، ومهما طال الليل فلابد أن تنتصر الإنسانية وتبزغ شمس الإسلام السُّني من جديد، فحذار أيُها العربي السُّني أن تستجيب للاستفزاز فتتخلى عن حماية دينك أو تتخلى عن مبادىء هذا الدين الحنيف.

       إذا كنا لا نملك وسيلة لمنع مذبحتي حلب والموصل فنأمل أن نخرج من مأساتها ولو بالتنبه لما يجري داخل بلادنا والتنبه لأن الذبح لن يقتصر عليهما بل هو قادم إلى بلاد العرب السُّنة الأخرى -ولو كانوا يشكلون فيها الأغلبية الساحقة- إنها الغارة على العرب والمذبحة المستمرة منذ أكثر من خمسمائة سنة على العرب الذين أبيدوا في الأندلس؟! والعرب نواكس الأذقان عجزة عن الصراخ، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ..