علي بانافع
في ظل تقدم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، يعرف المسلم أن العالم كله يعيش أزمة سياسية وعسكرية مع الإسلام، بينما تتربع في صحفنا وإذاعاتنا وقنواتنا الفضائية شخصيات وثيقة العلاقة بالغرب تؤكد لنا أن عصر الأديان قد انتهى؟! وأنه لا أحد يهتم بالدين إلا المتطرف، وأنه لا علاقة للدين بالسياسة؟! كيف يُصدقهم المسلم؟! كيف لا يَشك في نواياهم؟!
إن محاولة نزع عنصر الانتماء للإسلام منا ومن تاريخنا هو جزء من عملية الحياد السلبي أي تحييدنا بمعنى عزلنا عن قضايا ديننا ووطننا وأمتنا، أي خلع الانتماء منا يفيد خلعنا نحن -وهذه لعبة لعبها معنا الغرب كثيراً- من خلال مؤسساته العلمية ووكلائه التنويريين في نشر وتوزيع الفكر الغربي في عالمنا العربي والإسلامي -والأمثلة كثيرة- يسعى إلى تحييدنا عن أوطاننا وعن مشاكلنا وهمومنا، وعندما يتم له ذلك نكون قد اغتربنا عن ديارنا وأنفسنا، ويسهل علينا التعبير عن ذاتنا الجماعية بضمير المتكلم أو المخاطب(هم) بدلاً من (نحن) كما نقول الآن (أزمة الشرق الأوسط) وليس (قضية فلسطين) قضية العرب والمسلمين الأولى، وتذكروا من تركيا الفشل، فكم بذلت ماء وجهها وسفحت دمعها على أعتاب الاتحاد الأوروبي ولم يؤذن لها بالدخول؟! بل صفعها الحليف والمستشار الألماني الأسبق هيلموت كول حين قال: (إن تركيا ليست دولة أوروبية، إن تركيا لها حضارة غير حضارة أوروبا، إن حضارة تركيا إسلامية، وحضارتنا يهودية مسيحية).
إن نتيجة الاستفتاء -البارحة- في تركيا أغاظت الغرب بشقيه الشرقي والغربي فهو يخشى تحرر المسلمين وقوتهم، كما كان يخشى انبعاث القومية العربية في الخمسينات الميلادية من القرن الماضي، لأنها كانت تعني إخراج النفط العربي من سيطرته، بل وكما حارب الليبراليين والعلمانيين في مطلع القرن الماضي، لأنهم أيضاً كانوا يشكلون ولو محاولة فاشلة لإنهاض الأمة، كذلك يخشى الغرب نفس البعث تحت راية إسلامية، بل وخشيته أشد لأن ساحة المواجهة تصبح أكبر؛ ولأن خبرة الغرب تؤكد له أن حركة وطنية معارضة للسيطرة الأجنبية تحت راية الدين -والإسلام بالذات- هي أقوى وأخطر وأقدر على النجاح من أية حركة أخرى.
تركيا علمانية بالمعنى السوقي الذي طرحه الذئب الأغبر أتاتورك وهو محاربة الإسلام وحده، وليس بالمفهوم الغربي الذي يعني فصل الدين عن الدولة، أي العودة لمفهوم النصرانية الأولى "أعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر" وأن يكون الحكم للعلمانيين أي لغير رجال الدين، وليس لهذه التسمية أي علاقة بالإلحاد ولا بالعلم، بل هو تعبير شائع في كل مهنة، فإذا تكلمت في الطب و أنت لست طبيباً فهذا كلام علمانيين؟ كانت العلمانية في أوروبا تعني إبعاد رجال الكنيسة عن الحكم أي الكهنوت، رجل الدين الذي يؤمن ويلزم النصراني أن يؤمن معه بأن القس أو البطريرك هو ممثل السلطة الإلهية، فكان الهدف هو منع السلطة الإلهية هذا من ممارسة الحكم، لأنه لا يمكن تصور ديموقراطية إذا كان الحاكم يدعي الألوهية أو تمثيل السلطة الإلهية، لأن قرارات ممثل السلطة الإلهية لا تُناقش ومعارضتها كفر؟! ولذلك عزمت النصرانية الحقة نفسها تماماً عن قضايا الدولة، ولكن الكنيسة تطلعت للسلطة واستولت عليها باسم الله، وجاء الإسلام يسد الطريق على أي محاولة من هذا النوع بتجريد البشر كل البشر من أي أساس لإدعاء الألوهية، ومنذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس لبشر الحق في النطق باسم الله سبحانه وتعالى أو أن يحكم نيابة عن الله جل وعلا أو ممثلاً للسلطة الإلهية، ولا أن يضيف حرفاً لتشريعات الله تعالى، وعندما قضى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحكم أعجب مسلماً فصاح: (هذا ما قضى الله ورسوله؟! اغتم سيدنا عمر ونهره قائلاً: (لا تقل هذا بل قل ما قضاه عمر..) لا تجعلوا خطأ الرأي سنة الأُمة، وبعد ألف سنة قامت أوروبا تتطلع إلى الأخذ بنظام الإسلام حيث لا أحد يمثل السلطة الإلهية، مهما ارتدى من أزياء لأن لا الألوهية ولا السلطة الإلهية يمكن أن تتجسد في بشر، إنما يعرف الناس بالوحي والعقل حدود الله فينفذوها قدر اجتهادهم فيخطئون ويصيبون قدر جهدهم.
المعارضون لأردوغان من الإسلاميين مشكلتهم في فهم السياسة الشرعية، هو فهم نشأ في القرن العشرين لا صلة له بسلوكيات الأمة الإسلامية خلال ثلاثة عشر قرن مضت، لذا إذا حاججتهم قالوا تكلم عن الشرع لا عن تاريخ أمة، لذلك عليهم أن يعلموا أن السياسة فن من الفنون لا يجيده كل أحد، وهي علم وملكة لا يملكها كل أحد، أقول هذا لأني أرى بعض الإسلاميين يريدون أن يتكلموا بالسياسة وهذا لا يصلح، السياسة في الغرب المتحضر علم واختصاص، لكن بعض الإسلاميين أصبح عندهم ردة فعل من مقولة أن ليس من الدين الكلام في السياسة خوفاً من العلمانية التي تريد الفصل بينهما فتكلم جميعهم بالسياسة، هناك فرق بين الكلام في شؤون الأمة ومأساتها وبين السياسة.