علي بانافع
كنا نتحدث عن الظاهرة العامة التي يشكو منها كل من أُتيحت له الفرصة لامتحان الخريجين حول ضعف مستواهم وقلة معلوماتهم وعجز لغتهم وما بها من أخطاء إملائية ونحوية، ولكن أحد المتحدثين قال: (ليس ما أدهشني هو فقر المعلومات والاستهتار في الإجابة فكل هذا متوقع؟! ولعله كان مقصوداً من الذين أداروا أو خربوا التعليم، ولكن الذي يدهشني في الجيل الجديد -يقول المتحدث- هو الغباء إنك تحس فعلاً بهبوط شديد في قدرتهم على الفهم أو التعبير ..).
ورحت أفكر في هذه الظاهرة التي لا شك في وجودها؛ مع يقيني في نفس الوقت أن الجيل الجديد لا ينقصه الذكاء بل لعله أذكى منا بحكم الظروف والتقدم التقني في وسائل المعرفة وأدوات التواصل الاجتماعي على المستوى العالمي وأسباب أخرى عديدة، والدليل أنه أقدر منا على النجاح والوصول والتكيُّف مع قيم المجتمعات المُنهارة في الخارج، فكيف يمكن تفسير ظاهرة (العَيِّ) هذه -كما أُحب أن أُسميها بدلاً من الغباء- لأن الغباء عادة صفة موروثة لا حيلة فيها، أما مشكلة هذا الجيل كما خطر لي فهي العجز عن الفهم والعجز عن التعبير، هي مشكلة فقدان وسيلة الاتصال مع العالم المثقف.
فهذا الذي يبدو غباءً أو تخلفاً عقلياً في الجيل الجديد إنما هو من مظاهر العجز عن التعبير، هو التناقض الذي يروعنا بين الشهادة الجامعية التي يحملها الشاب، وحقيقة أنه عاجز عن التعبير، عاجز عن الفهم والإفهام، عاجز عن الخلق، فضلاً عن الإبداع لأنه بغير لغة؟! ولا أحد يدري بالضبط كيف ستكون صورة المجتمع السعودي إن استمر الحال على هذا المنوال لجيل آخر؟! ولكن الظواهر توحي بظهور أغلبية ساحقة أُمية، بمعنى الجهل باللغة العربية حتى ولو حصلوا على الدكتوراه، أغلبية متخلفة ثقافياً وحضارياً تُديرها أقلية تتكلم اللغات الأجنبية، وسنكون مجتمع أشبه ما يكون بالجزائر أو لبنان أو الهند قبيل الاستقلال، ولو كان الأمر بيدي لأوقفت الدراسة في جميع مراحل التعليم خمسة أو عشرة أعوام نتفرغ فيها لدراسة اللغة العربية، لأنه قبل إتقان العربية لن نتعلم أي علم ولا حتى سنتقن لغة أخرى، هذه قضية ملحة إلحاحاً شديداً وأعتقد أنها أخطر ما رُمينا به؟! وأحق القضايا باهتمامنا ألا وهي إعادة تعريبنا فدعونا نتعلم اللغة العربية؟!