Image title

  علي بانافع

     قال لي صاحبي -وكنا في حلقة نقاش- مَنْ يا تُرى في العرب أجدر بالتحليل ممن تخيروا الآراء؛ من أولئك القدماء الذين لم تطغى عليهم أبهة الغنى والثراء المادي، وأن حياتهم لا تزهو إلا بالسمو بالدين والترفع بالأخلاق؛ فعملوا لصالح ودينهم ووطنهم وقومهم خيراً، ولا ريب أن تاريخ الأمة العربية في عهد الإسلام حافل بالسير العظيمة التي لا تزال مجهولة في بطون  كتب التاريخ والتراجم، الحقيقة أن الخصائص النفسية البارزة هي الطابع الذي يُميِّز فرداً عن فرد، واُسرة عن أُسرة، وقبيلة عن قبيلة، وشعباً عن شعب، حتى لا يكاد الباحث يخطئ التمييز بين هذا الطابع وذاك، فيفرز به أُمة عن الأخرى ويُعيِّن به جماعة عن جماعة، وهي خصائص مردها النفس البشرية بما فيها من طبيعة أصيلة تنزع بها إلى جانب من جوانب النشاط الحيوي فتتعاون مع المزايا الخارجية في تكوين الشخصية، وقد تضافرت علوم النفس والوراثة والاجتماع والتاريخ بأن للوراثة سلطاناً، وأن الأبناء يتمتعون بخصائص آبائهم في العرض والجوهر.

   الحضرمي عربي صميم تجري في عروقه دماء قريش وكندة ومذحج وهمدان وحِمَّيَرْ على حد -تعبير باكثير- يُعَدُّ من الشعب اليماني ولكنه يمتاز عنه بذكائه ونشاطه التجاري وتفوقه في الكسب بأذكى الطرق وأنزهها وأشرفها؛ وطموح إلى المطلب البعيد واستعداده لمجاراة روح العصر، والحضرمي إنسان واع مغامر تاجر بفطرته، لا يحب الخلود إلى الدعة والسكينة، بل يجوب الأرض بوعيه وحبه للتنقل في ملك الله الواسع وبفنه التجاري الذي برع فيه وعرف مراميه، حتى حاز بأمانته وصدقه ثقة غيره، وتميز عدد منهم في مختلف النشاطات الأخرى كالسياحة والهجرة، وبرز آخرون في المجالات الثقافية والفكرية، فعُرف منهم علماء وأدباء وشعراء، وباحثون ومؤلفون في مختلف العلوم -قديماً وحديثاً- ممن كان لهم في التعريف ببلادهم مالم يتهيأ له من الانتشار ما يُيَسِّرُ الاطلاع عليه لكل راغب في الاستفادة منه في معرفة جميع أحوال ذلك الجزء من الوطن العربي، وإذا أردت أن تتعرف على الحضرمي فليس يكيفك أن تزور حضرموت بمدنها العريقة ذات البصمات الواضحة في صفحات التاريخ، بل عليك -إذا أردت أن تكون معرفتك تامة كاملة- أن تزور مدن الجزيرة  العربية ففي كل واحدة منها تاجر حضرمي أو تجار حضارم لهم بين أهلها مقام واحترام، فإن للحضارم هناك تاريخاً يبعث على الإكبار والإعجاب، لم تكن رحلات الحضارم في أنحاء الجزيرة العربية مقتصرة على الهدف التجاري، فقد حملوا مع بضائعهم فكرهم وعقيدتهم، وهم لم ينشروا هذا الفكر وتلك العقيدة بالحيلة والإغراء والبذل، بل نشروه بالقدوة الصالحة والسلوك القويم.

     كان الحضرمي مؤثراً فيمن يتعامل معهم، وكان الناس الذين يقبلون على تجارة الحضرمي ويبتاعون منها غذائهم وكسائهم يشهدون بالفضائل التي يتحلى بها الحضرمي كالمعاملة الحسنة والأمانة المطلقة، فيقبلون على من يحمل هذه الأخلاق العربية الأصيلة، ورضي أصحاب البلاد أن يشاركهم الحضرمي بالوطن، فاستقر عدد كبير منهم في مدن الجزيرة العربية يمارسون التجارة ويبنون الحضارة، ولقد كان الحضارم بالتزامهم الإسلامي غزاة فاتحين غزوا القلوب وفتحوا الأفئدة، وقبضوا على ناصية التجارة وأسسوا مراكز اقتصادية هامة، ولقد ظهر فيهم جماعة من المستنيرين اتصلوا بالحياة الفكرية والثقافية في الحجاز ونجد والأحساء، وآمنوا بالعمل للنهضة والحرية، وأذاعوا في قومهم الدعوة إلى الإصلاح والتجدد.

     واستناداً إلى ما سبق أعلن كبار التجار الحضارم ولائهم لحكومة المملكة العربية السعودية ورفضهم حضور مؤتمر حضرموت الجامع -فضلاً عن المشاركة في أعماله- في وثيقة رسمية موقعة لهم، وأشاروا  في هذه الوثيقة وأكدوا أنهم كمواطنين سعوديين لا يمكنهم الخروج عن أنظمة ولوائح وتوجيهات البلد الذي يحملون رعويته ويدينون له بالولاء التام؛ وأنهم لن يشاركوا في أي تكوين سياسي وسوف يعملون بما يتوافق مع قيادة المملكة العربية السعودية وبما يحقق المصلحة المشتركة ويجلب الخير والسلام للوطن والمنطقة عموماً، وقال رجال المال والأعمال في الوثيقة: "بما أن المؤتمر تتم مراحله في ظل عاصفة الحزم وإعادة الأمل التي أسهمت بشكل رئيسي في تحرير ساحل حضرموت ومازالت تقاتل الانقلابيين وهي من تعمل على استعادة الشرعية وإعادة البناء والتنمية فمن الواجب بل والضرورة التنسيق مع قيادة التحالف العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية من أجل إنجاح المؤتمر وضمان تنفيذ مخرجاته، ووقع على البيان كل من: "محمد حسين العمودي، عبد الله سالم باحمدان، عبد الإله بن سالم بن محفوظ، أحمد محمد بانعيم، عمر صالح بابكر، محمد أحمد بالحمر، عبدالله أحمد بقشان"، وسبق أن أثار هذا المؤتمر المشبوه جدلاً واسعاً في داخل حضرموت وخارجها  ووجهت له العديد من الانتقادات عقب تشكيله، بسبب وجهات النظر التي احتواها، وشكوى الكثير من القيادات الحضرمية من إقصاء وتهميش واضحين في البنود التي تضمنها إعلانه.