د. علي بانافع
أترون رجلاً في هذا العُمُرِ وبهذه الهيئة البهيّة ومؤذن مسجد رسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلاّ أن يكون من خواص الخواص وقمةً في الإخلاص، رحم الله الريّس المؤذن الشيخ مصطفى بن عثمان النعمان وغفر له، واجعل مرضه في موازين حسناته وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، ولا حرمنا الله من نفحاته وكراماته التي يمن بها على خواص أهل معرفته، الذين هداهم ووفقهم للعمل بما يقربهم منه ففتح لهم ابوابه ورزقنا توقيرَ كبارِنا والمحروم من حَرَمهُ الله.
الدكتور عثمان بن مصطفى النعمان أخي وصديق عمري وحبيب قلبي، له اليد البيضاء يعمل دائمًا في الخفاء عرفته منذ عام ١٤٢٥هـ في ثانوية ابن حيان بينبع الصناعية، وكان نعم الأخ والصديق والناصح، كان لي بمثابة الأخ - ووالله لو قلت هو أكثر من أخ ما حنثت في قسمي - كنت دائمًا أردد فيه تلك المقولة: "هو من الرجال الذين إذا غابوا حضروا وإذا حضروا غابوا" تجد له في كل خير بصمة بدون أن يعرف هكذا عهدناه جندي مجهول لكنه معلوم عند رب العالمين.
لا أخفيكم سرًا أصابني شيء؛ فانقطعت عن القراءة فترة طويلة كنت فيها ميتًا، كنت أمسك الكتاب فتثقل عليّ الصفحة والصفحتان وكنت قبلُ أجاوز في يومي المئة، وكان في صدري ثقل عجيب إذا أمسكت كتابًا حتى كأني عاجز عن التنفس، وأحمد الله أن أرسل لي أخي وحبيبي الدكتور عثمان النعمان فاستفزني بكتابه الرائق؛ فأعادني إلى القراءة بل والدراسة والبحث وفتح لي الخير فالله لا ينزع السِّرْ من أهله.
يالروعة سردك الابداعي المسبوك - دكتور عثمان - والذي دفعني للإستغراق والتأمل من دون أن يتسنى لي فرصة لإغفال كلمة ولا حرف واحد، وكأنني أرى فيلمًا وثائقيًا يَشُدَّكْ إلى احداثه شدًا. جزا الله أخيكم الأكبر الدكتور محمد بن مصطفى النعمان الذي حثك وألح عليك كثيرًا في توثيق رحلة حياة السيد الوالد؛ فأمثالي لا يهتمون بمضمون القصة الواقعية فحسب إنما بأحوال ذاك الزمان وشخوصه وطريقة تربيتهم، تعلمهم، تعليمهم، تفكيرهم، حرفهم، صنائعهم على لسان الثقات الذين عاشوا تفاصيلها أولا بأول.
وها هي الذكرى العاشرة قد مرت على وفاة الريّس المؤذن الشيخ مصطفى بن عثمان النعمان. لكن حسبنا أن نقول: لولا أن القلوب تُوقنُ باجتماع ثان لتفطّرت المرائر لفراق المحبين. وهو في ضيافة ربٍ كريم نشهد الله على حبه وأنه من أهل التوحيد ونسأل الله أن نلقاه في جنان الخلد؛ فهنيئًا لكم هذا البِرَّ ( آل النعمان ) فأنتم جبال في هيئة رجال.