ليس بعيدا عن قرى تَدُوم قوم لوط

قرية تُسمى مدين هذه القرية إشتهرت بالتجارة والبيع والشراء لكنها كانت تتعامل بالغش كانت أسواقهم كلها مليئة بالغش والكذب والخداع بل كانوا أكثر من هذا إذا جاءهم أحد يمر عليهم في قرى مدين فإنهم يأخذون عليه الضرائب ويقطعون عليه الطريق أرسل الله عز وجل إليهم نبي الله شعيب وشُعيب كان نبيا عربيا الانبياء العرب هود عليه السلام صالح عليه السلام وأيضا شعيب عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هؤلاء الاربعة كلهم من العرب أرسل الله لقوم مدينة شعيب وكانوا يعبدون الشجر شجرة تسمى الأيكة وكانوا يغشون بالاسواق وبالميزان ويطففون فيه ويأخذون من الناس أموالا بغير حق ويتعاملون بالربا { وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} ثم بعد توحيد الله عز وجل بدأ يعلمهم أن هذا البيع هذه التجارة هذا التصفيف في الميزان والمكيال إنه حرام لا يرضي الله عز وجل أبدا { ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير} يعني النعمة التي

عندكم الحمد لله كافية لِما تغشون الناس بأسواقكم وتجارتكم وبيعكم وشرائكم { إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط }وكانت من طبيعة قوم مَدْيَنْ أنهم يخرجون خارج القرى فإذا رأوا قافلة قطعوا عليها الطريق كانوا قُطاع طرق كانوا يقطعون عن الناس طريقهم فلما تمر عليهم قافلة إلا وسلبوها بعض أموالها يأحذون من الناس الضرائب بغير وجه حق مُكْسٍ لعن الله عز وجل اصحاب الضرائب التي يأخذونها وبغير خدمة يُأدونها للناس قطع الطريق مع أنهم كانوا ضعفاء كانوا قليلين كثرهم الرب عز وجل لكنهم مع هذا ما يتذكرون نعمة الله عز وجل عليهم لهذا ذكرهم شُعيب فقال {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون}يعني تقفون على الناس في طرقهم فتقطعونها وتأخذون أموالهم{ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثرَكم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين

قوم شعيب بعد أن دعاهم نبي الله شعيب عليه السلام إلى عبادة الله وحده وإلى ترك البيع الحرام وشراء الحرام وغش الناس والاحتيال عليهم والبيع المحرم وقطع الطريق وأخذ الضرائب من الناس أخذوا يردون عليه بإستهزاء يقولون لنبي الله شعيب ذلك الرجل الذي أرسله الله قوي اللسان فصيح اللسان لكنه ضعيف الجسد هذا النبي العربي بدأ قومه يتكلمون عليه يقولون دينك يا شُعيب عبادتك يا شعيب صلاتك يا شعيب تتدخل حت بتجارتنا حتى بأسواقنا حتى بمعاملاتنا حتى ببيعنا حتى بشرائنا أي دين هذا الذي يتدخل بالبيع والشراء { قالواْ يا شعيب أصَلاتك } دينك يعني{ أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } أي دين هذا الذي يتدخل بالاموال يتدخل بالتجارة يتدخل بالاقتصاد يتدخل بالمكيال والميزان والبيوع والشراء أي دين هذا هذه الدعوة القديمة التي أطلقها قوم شُعيب لا زالت تتكرر في كل زمان ومكان لا زال يظهرون أقوام يزعمون أن دين الله عز وجل لا علاقة له بالحياة وأن دين الله عز وجل لا علاقة له بالبيع والشراء أن دين الله عز وجل ليس له دعوة بالاقتصاد وبالبيع وبالشراء وبالتجارات الدين ليس له علاقة بهذا هذا ما قاله قوم شعيب لشعيب

ثم أخذوا يستهزؤون بشعيب عليه السلام مع أنه أعقلهم مع أنه أفهمهم مع أنه أفصحهم لسانا أخذوا يستهزؤون به يقولون إنك عاقل عندما تدعون بهذه الدعوة إنك رشيد وعاقل إستهزاء به { إنك لأنت الحليم الرشيد }ما قصدوا أنه حليما ما قصدوا أنه رشيد وحليم لكنهم يستهزؤون به إستهزاء إنك حليم إنك رشيد عند عندما تتدخل حتى بتجارتنا وأموالنا وبيعنا ولهذا رد عليهم شعيب عليه السلام قال لهم يا قوم أرأيتم إن كان ديني هو الحق إن كان كلامي ما أقول لكم هو الحق إن كنت قد جئتكم بالبينات ماذا ستفعلون { قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا } قد يكون الذي أملك قليلا ليس مثلكم قد تكونوا تملكون الثروات والارصدة والاموال والتجارات سرقتم أموال الناس نهبتم أموال الفقراء قطعتم الطريق أخذتم الضرائب أما أنا فعندي رزق قليل لكنه حسن ومع هذا عندما حذرتكم من الحرام من السرقة من الغش من الاحتيال من النصب فإنني والله يشهد على هذا لن أفعل ما أنهاكم عنه لن آمركم بشيء ولا أفعله لن أنهاكم عن شيء وآتيه سأكون قبلكم إلتزاما بما أقول

ولهذا رد عليهم شُعيب فقال { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } إذا ماذا تريد يا شعيب  { إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إِلا بالله}أي أنني لا أريد إلا الاصلاح والتوفيق الذي سيكون من الله جل وعلا وحده { وما توفيقي } ما أرجع الامر لقوته ولا لفهمه ولا لذكائه ولا لعقله بل قال أرجع الامر لله عز وجل هكذا الدعاء يرجعون أمرهم فقط لله جل وعلا { وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت } كل الانبياء على الله عز وجل متوكلون { عليه توكلت وإليه أنيب } أي أنا الذي آمركم به سوف ألتزمه هدفي في الارض فقط الاصلاح ليس كما تقولون أنني أنهاكم عن شيء فأتيه لا والله أنا أولكم إلتزاما بل قبلكم سوف ألتزم ببيع وشرائي وتجارتي سوف أكون أول الملتزمين أريد الاصلاح في الارض أريد أن ألا يُأخَذ الناس من أموالهم بظلم بل يُعطى كل ذي حق حقه لا زال شعيب عليه السلام يدعوا قومه إلى الله إلى عبادة الله وحده وإلى ترك البيوع المحرمة والتجارات المحرمة وقومه يعاندون وَيُصِّرُونَ

شعيب عليه السلام أراد أن يحذر قومه قال يا قوم لا يحملنَكم ما تفعلونه في وشقاقكم لي أن ينزل عليكم عذاب من الله عز وجل ألا تذكرون قوم نوح والطوفان ألم تسمعوا بما فعل الله عز وجل بقوم هود أو قوم صالح وليست قرى لوط عنكم ببعيدة لا زمانا ولا مكانا {ويا قوم لا يجرمنَكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعِيد }أنظروا لخوفه على قومه يقول يا قوم تذكروا قوم نوح كيف أهلكهم الطوفان تذكروا قوم هود كيف أهلكهم الريح تذكروا قوم صالح كيف دمرتهم الصاعقة قوم لوط التي أغرقها الله عز وجل وجعل عالِيها سافِلها ليست بعيدة عنكم إحذروا عنادكم للانبياء أن يصيبكم مثل ما أصابهم فردوا على شعيب ذلك الخطيب المفوه ذلك اللسان المبين أنظروا ماذا قالوا له إستهزاء { قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول } كلامك لا نفهمه إنه الاستهزاء إنه العناد إنه الكبر من لا يفهم كلام ذلك الرجل الفصيح البليغ شعيب عليه الصلاة والسلام إلا قوم معاندون مكابرون يفهمون لكن كانوا يُعاندون ثم قالوا له يا شعيب إنا لا نراك فينا ضعيفا أنت رجل ضعيف

وكان شعيب عليه الصلاة والسلام رجلا ضعيف البنية ضعيف الجسد ضعيف النظر وليس من قوم أقوياء وليس من قوم يملكون القوة والمنعة لهذا قالوا له { قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك} نعم عندك قوم ولولا معزة قومك علينا لرجمناك يا شعيب لم يكونوا بتلك القوة ولكن معزة قومه على باقي الناس جعلتهم يقفون عن تعذيبهم له قالوا لولا قومك يا شعيب لحفرنا حفرة ووضعناك فيها ولضربناك فيها بالحجارة لست بغال علينا ولست بعزيز علينا ولست قويا فينا أنت رجل ضعيف لكن من أجل قومك وقبيلتك ذلك أن الله بعد لوط عليه السلام لأنه لم يكن من قومه ما أرسلنا نبيا وبعثنا نبيا إلا وجعله في منعة من قومه مثل شعيب عليه السلام

قالوا {ولولا رهطك لرجمناك وما أنت عَلينا بعزيز}رد عليهم شُعيب عليهم السلام قال{ يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله} رهطي وقبيلتي وجماعتي وأهلي أعز عليكم من رب العالمين { قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله وَاتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط } رد بكل عزة وثقة قال يا قوم أقول لكم رب العالمين تقولون رهطي أقول لكم الله تقول قبيلتي وقومي { أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط } لكنه العناد لكنه الكبر من قوم شُعيب هذا العناد والكبر كيف أوصلهم وكيف أعمى قوم شعيب عن الحقيقة التي جاء بها شُعيب عليه السلام

إشتد البلاء على نبي الله شُعيب عليه السلام واستكبر قومه وأرادوا إخراجه هو والذين آمنوا معه من قريته أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا كما قالوا فرد عليهم شعيب عليه السلام قال أو لو كنا كارهين لما إزداد البلاء رفع شعيب يديه إلى السماء وقال على الله توكلنا ثم دعا الله عز وجل وقال {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} وجاء اليوم الذي سينزل الله عز وجل عليه العذاب على قوم شعيب لقد إستكبروا لقد تجبروا لقد عاندوا لقد جاحدوا أمر الله عز وجل لقد كذبوا نبيهم الان جاء يومهم { ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا} نجا الله عز وجل أولا شُعيب وأهل الايمان أخرجهم من هذه القرية فأصاب القرية حَرٌّ شديد لم يستطع أحد منهم أن يتحمل هذا الحر فوجدوا ظلة ظلة غيمة تُظلل مكان فخرج أهل القرية رجالهم ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم ليستظلوا بهذ الظلة فنزلوا تحت هذه الغيمة فإذا بالغيمة تنزل شررا يحرق الناس { فكذبوه }هذا جزاء تكذيب الانبياء { فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عَذاب يوم عظيم } لو تخيلتم النار كيف تنزل والصواعق تضربهم ضربا وتحرقهم حرقا فذهبوا إلى بيوتهم إلى سُكناهم وإذا الارض ترجف من تحتهم { فأخذتهم الرجفة } تزلزلت الارض من تحتهم فياللهول عذاب الله عز وجل إذا نزل أي بيوت مابقيت أي مبان ماصمدت الارض ترجف والبيوت تتهدم على رؤوس أهلها ثم أخذتهم الصيحة { ولما جاء أمرنا نجَينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة } صيحة قطعت قلوبهم كلهم فلم تُبقي منهم فردا وأخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم كلهم وهم في ديارهم الذي إختبأ في بيته والذي هرب من رجفة الارض ومن صاعقة الظلة ومن شرارها أخذته الصيحة { وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمِين } لا ترى في القرية قوم مدين لا ترى إلا الجثث الهامدة لا تسمع فيهم صوتا لا ترى فيهم حركة { كأن لم يغنوا فيها }أين أسواقهم أين حركاتهم أين أصواتهم أين الناس أين ذهبوا ماذا حصل لهم { كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود }كما فعل الله عز وجل بقوم ثمود فعل الرب عز وجل بقوم مدين فلم يُبْقِي منهم أحدا وبعد أن هلكوا جميعا دُمِّرت الارض بمن فيها أين الاسواق أين البيوت أين الناس أين الاطفال الذين يلعبون أين القرى الظاهرة أين إستكبارهم في الارض {كأن لم يغنوا فيها ألا بعدًا لمدين كما بعدت ثمود} بعد أن دُمرت الارض رجع نبي الله شعيب عليه السلام إلى قومه ليراهم جثثا هامدة

رجع ليرى الارض كلها قد دُمرت ليرى الجثث ملقاة على الارض يمنة ويسرة فإذا بشعيب يمر على الناس وعلى الديار وعلى الخراب ويكلم الجثث وهي ميتة { فتولى عنهم وقال يا قوم } يكلم أمواتا يُسَمعهمْ الرب عز وجل وهم أموات يسمعون كلام نبيهم وهو يحدثهم وهو يقول لهم { قال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فكيف آسى } لما أحزن على قوم بلغتهم وأديت الامانة وذكرتهم سنوات وكانوا يستهزؤون وكانوا يهددون وكانوا يستكبرون ظنوا أن أموالهم ستمنعهم ظنوا أن قوتهم ستمنعهم من عذاب الله عز وجل لن أحزن عليكم { فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسَالة ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين } دمر قوم مَديَنْ جزاء على كفرهم بنبيهم ونجا الله شعيب والذين آمنوا