علي بانافع
ما يحدث اليوم حرب عالمية هادئة على أراضينا العربية في العراق وسوريا واليمن؛ وكما كانت بداية الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن الماضي تافه؛ كانت بداية هذه الحرب -أيضاً- تافه الأقلية النصيرية في سوريا والأقلية الحوثية في اليمن وإيران بمذهبها الفاسد، هذا هو خطر الأقليات على العالم وليس على أمتنا وحسبْ، فالأقليات سرطان الأُمم؟! والعالم كله يريد توريط تركيا السُنِّيَة في حرب تبدأ ولا تنتهي إما مع روسيا أو مع الجماعات الإرهابية المصطنعة؛ كما تورطت في السابق مع حزب العمال الكردي، وذلك بهدف تحطيم الاقتصاد التركي الصاعد، إن نجاح محاولة اغتيال السفير الروسي في أنقرة هي لإفشال سعي أردوغان في إحلال السلم وإنهاء الحرب في سوريا، وانسحاب سفراء العالم لإسقاطه، فالنظام السوري وإيران ليسا بعيدين عن حادث الاغتيال والاغبياء من يفرحون بقتل السفير الروسي، وكان الله بعون أردوغان!!
تركيا دولة أُوروبية الموقع، أُوروبية الهوى، أُوروبية الاختيار، منذ أتاتورك -سيء السمعة- وهي تسير بأسرع الخطى في طريق التغريب والتفرنج، لبست البرنيطة، وكتبت بالأبجدية اللاتينية، وحَرَّمَتْ الآذان باللغة العربية، وقطعت ما بين الدين والدولة تماماً، بل وصلت في هذا كله إلى أبعد من الغرب!! تنكرت لكل ما هو "إسلام" وضَيَّقَتْ عليه بل جَرَّمَتَهْ، حين قدمت بعض المسؤولين إلى المحاكمة بتهمة بدء الخطب بالبسملة، فهل هناك تغريب أشد من هذا أو تحديث أبلغ أو تنوير أقسى أو سمه ما شئت؟! كل ذلك لم يشفع لتركيا، فها هي بذلت ماء وجهها وسفحت دمعها على أعتاب الاتحاد الأوروبي، ولم يؤذن لها بالدخول؟!
حسب علمي أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يقل أنه جاء ليطبق الشريعة بل جاء ليخفف من غلواء ما أحدثه أتاتورك في الشعب المسلم التركي، لأن أردوغان يعلم إن جاء بالإسلام لن يقبله حتى الشعب التركي الذي رزح تسعين سنة تحت أفكار علمانية، ولا العالم الغربي الذي يقف للحكم الإسلامي بالمرصاد، والحقيقية أن ثمار أردوغان وحزبه كانت طيبة على المجتمع التركي ولا ينكر ذلك أحد، وقد رأينا في الجزائر ماذا عمل العالم عندما فاز الإسلاميون، ورأينا عندما فازت حماس، ورأينا ماذا عملوا بالسودان ومصر، فلا تستطيع أن تطبق ما تريد ..
الرئيس أردوغان اتخذ من قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "إنا نعالج أمراً قد فني عليه الكبير وشاب عليه الصغير وتبدي عليه الأعرابي" قاعدة له؛ فهو محارب متمرس يجيد فن الحرب في وقت الضعف فلم يخسر كثيراً، وهو نوع من الانتصار المحدود لأن البقاء مطلوب؛ والصمود هو عبور مرحلة، المستعجل يريد العبور من مرحلة الهزيمة إلى مرحلة النصر وهذا قد يكون لكنه نادراً، مثلما يريد بعض الإسلاميون اليوم أن يحكموا ليس بالملك العاض أو الجبري بل بالخلافة الراشدة؛ فهذا محض خيال وفشل في التدرج والتدرج من سنن الله الكونية ..
الرئيس أردوغان يفعل ما يستطيع عليه للوصول للحق وهو الإسلام، في بلد علماني محارب للإسلام -وفعله واضح- وهذه خطوة إسلامية وجميعاً نباركها، نعم ليس من الضرورة أن يحكم بالإسلام إذ يحتاج ذلك إلى تمكين حقيقي على أرض الواقع -وقد لا يستطيعها- وقدرة واستطاعة شرعية لا يملكها اليوم، لذا لم يحكم النجاشي بالإسلام رغم أنه ملك؟! وجعل يوسف على خزائن الأرض ودين الملك ليس على الإسلام؟! تقليل الشر مطلب شرعي وتدريجي للوصول للشرع الحق ولو طال الزمان، الإصلاح المتدرج والهادئ بعيداً عن العنف والتطرف هو الطريق الصحيح لاستعادة الهوية الإسلامية، فهناك الآف من حفظة القرآن الكريم في حفل تخرجهم يطوفون المدن التركية تنويهاً وتعظيماً لكتاب الله، وليكونوا قدوة لغيرهم وهذه نقطة البداية في الطريق الصحيح لاسترجاع تركيا لهويتها الإسلامية..
من المساهمين الحقيقين في إرجاع الدين إلى تركيا منذ أكثر من أربعين سنة، فتح الله كولن وهو كان يعد لذلك بدقة وتروي، نعم له آراء غير صحيحة، وآراء فاسدة لكن خلاصة عمله كانت عودة لدين الله في مجتمع تشبع بالبعد عن الدين، وأسس نظاماً سرياً للعمل في مجالات التعليم والتجارة، ونجح نجاحاً باهراً، وأسس مؤسسات ضخمة إعلامية واقتصادية وحورب من قبل العلمانيين وتعاون مع الحرية والعدالة ودعمهم في أول الأمر، اختلف معهم في عدة أشياء وزادت المناكفة والعداوة وكانت الطامة يوم أن نزل في الانتخابات السابقة مع العلمانيين ضد العدالة والتنمية، وتولدت حرب بين الطرفين، لقد كون فتح الله كولن جيشاً من مئات بل آلاف في الجامعات والاقتصاد، ثم دخل الجيش والشرطة والقضاء، جوهر الخلاف مع جماعة فتح الله كولن أن أردوغان قرر التقارب مع العرب، وهم كانوا يرفضون ذلك ويقولون بأنهم من أوروبا، وتقربهم إلى أوروبا أفضل من العرب، وأصبح يؤسس لجماعة موازية مخيفة لمخالفيه، ويوم شارك بالانقلاب الأخير أذهب بجهوده كلها التي بناها خلال أربعين سنة، أذهبها موقف سياسي أو عسكري، وفرح به العلمانيين ..
فإلى الإخوة العرب والمسلمين الشامتين بقتل السفير الروسي بأنقرة البارحة، والشامتين بأردوغان أثناء انقلاب الخونه عليه؛ إليكم قصة قصيرة من حبه للعرب، لما زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز تركيا وقف الرئيس رجب طيب أردوغان تعظيماً لخادم الحرمين الشريفين وقال له: "يا سلطان المسلمين" ولما حاول الرئيس الأمريكى باراك أوباما التقدم على الملك سلمان أمسك به أردوغان وأشار للملك سلمان أن يتقدم هو ..
بل أنظروا إليه وهو يطعم الأمير سعود الفيصل رحمه الله بيديه لأنه في آخر أيامه أُصيب بمرض الرعاش، فعندما وضع الطعام أمام الأمير سعود الفيصل وبدا الجميع يأكل رأى الرئيس أردوغان الأمير لا يأكل فتقدم اليه وأطعمه بيديه ثم قبله على رأسه .. هذا هو أردوغان لمن لا يعرفه؟!