علي بانافع
إن كلماتي لعاجزة عن التعبير عن أسى الشعب السوري الأبي وكربه الذي لا يعرف الحدود، ذلك الكرب الذي حل إلى الأبد في أفئدة الملايين من العرب والمسلمين، وأقول ذلك ليس لكي تشاطرنا آلامنا وتعرب عن التعازي، إذ إن ذلك سيكون إهانة للشعب السوري كله وإهانة لذكرى أبنائه الشهداء، إن الآثام التي اقترفت خلال الأيام الماضية في حلب لا يقبلها عقل، فشوارع المدينة ملطخة بدماء آلاف الشهداء من الضحايا الأبرياء، وبينهم أطفال ونساء وشيوخ، وإن الجثث المشوهة تبعث الرعشة في القلوب، فقد سحقتها البراميل المتفجرة وأطلقت عليها النيران والحمم من الطائرات الروسية، ولا يمكن أن يكون هناك تبرير لهذه المجازر الدموية والجرائم الشنعاء التي حظيت بموافقتك شخصياً كرئيس للدولة ..
إن الشعب السوري يرفض بغضب وازدراء الاتهامات الاستفزازية التي وجهت إليه وزعم أنهم سبب إدخال القوات الأجنبية وبينها ما يُسمى بالتنظيمات المتشددة الذي زعم أنها خطر على الدولة السورية!! وفي هذا الصدد أود تأكيد ما يأتي:
◀ إن الأديان عموماً وبينها الدين الإسلامي هو تحد للشيوعية الروسية والغطرسة القومية البعثية اللتين تعتبران خطيئة تاريخية لا تغتفر!! وأنت تعرف ذلك حق المعرفة، وقد أبلغلك العالم العربي والإسلامي ذلك شخصياً.
◀ إن العلماء المسلمين كانوا وما زالوا يعتبرون أنه لا يجوز استغلال الدين في الصراعات السياسية والنزاعات الطائفية، والحروب الأهلية، وأنت تعرف ذلك حق المعرفة -أيضاً- حتى عندما بلغ التوتر أقصاه كانوا -العلماء المسلمين- يدعون إلى التعقل والحذر من التوغل في الدماء، وهذا ما يزيد سخطهم على الأفعال التي قامت بها التنظيمات المتشددة (القاعدة-داعش) وهي عامل مهم لزعزعة الاستقرار، ومن البديهي تماماً أن ذلك يستهدف غرضاً محدداً هو الوقيعة بين أبناء الشعب السوري الأمر الذي يمكن أن يزيد ضراوة النزاع الطائفي.
◀ قدّم النظام السوري لهذه التنظيمات المتشددة في العراق دعماً كبيراً من خلال سماحه بتدفق المتطوعين والانغماسيين الذين ارتكز عليهم نشاط هذه التنظيمات بشكل أساسي، وكان هذا الدعم اللوجستي ضروري لاستمرار عملهم، وقد اتضح ذلك في خطاب لأبي عمر البغدادي قال فيه: (يجب أن يدرك البعثيون في سوريا أنه لولا جهاد أبناء الرافدين لكانوا اليوم على أعواد المشانق كما فعل بصدام!!) فلذلك ننصحهم ونحذرهم أن يقعوا في الفخ الذي وقع فيه مشرّف؛ فيضعوا أيديهم مع واشنطن لكبح جماح الجهاد في العراق، لأن هذا غير مفيد لهم على كل الأصعدة.
وأؤكد لكم -أيضاً- أن الرأي العام العالمي مطلعٌ تمام الاطلاع على الحقيقة كاملة، فالخزي وحده جدير بالبلد الذي تعمد سلطته؛ لأغراض النزعة السلطوية؛ ليس إلى تهدئة الحزازات بين الطوائف المختلفة في الشعب الواحد بل استثارتها!! البلد الذي حول الجيش إلى سفاح يقتل أبناء وطنه!! إنه بلد للإنسان فيه حقوق في الموت أكثر من حقه في الحياة الكريمة!! إن الرصاص الذي أُطلق في حلب، إنما أُطلق على قلوب بشرية حية، إنها رصاصات قتلت في نفوس ملايين الناس آخر الآمال في أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة؟!
لقد كان عام 2003 آخر سنة لحكم الحيوان المنقرض المسمى "حزب البعث العربي الاشتراكي" في تاريخه الطويل، فقد تأسس الحزب سنة 1947 وبعد 56 سنة انتهى تاريخه بالعراق؛ وسينتهي في سوريا قريباً بعد 70 سنة!! وأنت بإدخالك قوات التنكيل التي تتصرف تصرف المحتلين، إنما أسأت إلى سمعة الحكومة السورية، وأكدت مفاهيم مثل: سيادة الشعوب وكرامتها غريبة عنك؟! لقد أثبت فشلك كقائد سياسي، وبرهنت أنك أخفقت كزعيم للدولة، وتبددت الأسطورة عنك كقائد لجبهة الممانعة ومناضل من أجل السلام!! فمن التجديف أن يُطلق هذا اللقب على إنسان يوقع بيد اتفاقات الهدنة مع إسرائيل؛ ويبارك باليد الثانية أعمال التنكيل ضد مواطني بلده؟! روسيا وإيران وحزب اللات والمليشيات العراقية الشيعية وغيرها تحتل سوريا بالكامل بموافقتكم وبضوء أخضر أمريكي، هذا هو حزب البعث العربي الإشتراكي، وهؤلاء هم النصيرية 10% من الشعب المهم بالنسبة له ولهم بقاء النظام بأي ثمن!! فعليكم وفيكم لعائن الله وغضبه وانتقامه عدد الرصاص الذي يقتل أهل حلب!! وعدد ذرات الغبار التي ملأت شوارع حلب!! وعدد قطرات الدماء التي نزفت من أطفال وأمهات وشيوخ وشباب ورجال حلب!!
في أي حرب ضروس لا يُقتل الأطباء والممرضون، أما أنت فقد باركت وباشرت قتل الشعب السوري بما في ذلك الأطباء الذين هبوا لمساعدة أُناس يموتون؟! وإعراباً عن إرادة الشعوب العربية والإسلامية نُطالب بسحب القوات النظامية والأجنبية فوراً من حلب، فلا يمكن الحديث بلغة السلاح مع أي شعب، بما في ذلك الشعب السوري، وقد يستمر ذلك طويلاً -كما حصل في أفغانستان ولبنان- ولن تهنأ أنت، ولا إيران، ولا روسيا حتى لو تم القضاء على أهل حلب جميعاً، عندها ستبدأ حرب العصابات التي لن تقف أمامها طائرات ولا جيوش ولا دبابات، حرب العصابات التي أخرجت أمريكا من فيتنام والعراق، وأخرجت روسيا من أفغانستان!!
وبعون الله تعالى -وعلى رغم كل شيء- ستنتصر العدالة والحرية والكرامة التي استشهد في سبيلها أبناء الشعب السوري الذين خروا صرعى بالبراميل المتفجرة وبالقصف الروسي وبرصاص الجنود الإيرانيين وغيرهم!! وأنا إذ أُؤمن بذلك إيماناً عميقاً أرفع دعواتي إلى الله العلي القدير، وأسأله تعالى أن يهلككم كما أهلك عاداً وفرعون وثمود، نحن لا نقدر عليكم ولكن الله يقدر!! فلا يغرنكم حلمه أيها الطاغي المتجبر!! فاللهم عليك بهذا المجرم، اللهم أصرف عنه حلمك وأنزل به بأسك الذي لا يُرد وأجعله عبرة للعالمين..
اللهم إليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم الرحمة لأرواح الضحايا الأبرياء والعقاب الصارم للقتلة، ولمن دبر جرائم القتل والذبح ودفع إليها ..