علي بانافع
أرادت إيران إشعال وإشغال المنطقة العربية بحروبها العبثية وسعت إليها، وبقي إحكام الفخ لصيد إيران؛ ولتحقيق هذا الهدف اُستخدم معها طريقة اصطياد القرد، وهي طريقة تعتمد على غريزة الجشع في القرد وعجزه عن الموازنة بين الآجل والعاجل، أو عجزه عن فهم القاعدة الإسلامية البسيطة التي تقول بتفضيل دفع الضرر على جلب المصلحة.
يجلس القرد في مأمنه يراقب الصياد الذي يقوم بعمل حفرة في شجرة، والحفرة ذات مقاييس خاصة؛ تسمح للقرد بإدخال وإخراج يده وهي مبسوطة، ولكن إذا قبض القرد يده استحال عليه إخراجها!! ويضع الصياد البندق الذي يحبه القرد داخل هذا الثقب والقرد يراه؟! ثم ينصرف الصياد ولأن القرد ذكي وطماع ولص!! سرعان ما يخرج من مخبئه ويدس يده في الحفرة ويقبض البندق كله ويحاول أن يخرج يده فيفشل؟! ويمكن أن يبقى اليوم كله في هذا الوضع لا يستطيع أن يخرج يده بالبندق ويذهب به، ولا شراهته تسمح له أن يؤثر السلامة ويترك البندق وينجو بنفسه!! ويظل على هذا الوضع حتى يأتي الصياد ويضعه في الأغلال وهو لا يترك البندق؟! حتى إذا تم تكتيفه وإدخاله في القفص الحديدي لسعوا يده بالنار فيتخلى عن البندق ويسحب يده بحركة لا إرادية ويخسر البندق ونفسه؟! هكذا تم اصطياد إيران؟! وأوهموا -إيران- أنها تستطيع الفوز بالعراق وسوريا ولبنان واليمن، فلما وضعت يدها في الثقب ركزوا كل الإمكانيات على منعها من اتخاذ القرار السليم، وهو الإفلات قبل فوات الأوان أو قل قبل أن يحاصروها أو يضربوها؟!
وقد ساعد الإيرانيين "العشم" الذي نما وترعرع بين طهران وواشنطن خلال سنوات حكم بوش الأرعن؛ والقتال المشترك ضد عراق صدام، وقد بدأ التعاون منذ 9/11 عندما تم تفجير برجي التجارة العالمي وتفجر الرعب الصليبي في الولايات المتحدة الأمريكية من الخطر الإسلامي المزعوم، فالاحتضان الأمريكي لإيران بدأ في 9/11 والخوف المتزايد من الأصولية الإسلامية في المنطقة أصبح المحرك الأساسي للسياسة الأمريكية، ليس فقط إزاء العراق بل المنطقة بأسرها، وتتحمل المسؤولية في ذلك ثلاث إدارات أمريكية وكلا الحزبين، ولا زالت واشنطن يسيطر عليها خوف دفين ومتأصل من الإسلام، كقوة غريبة عن التفكير الأمريكي أحدثت رعباً حقيقياً وخوفاً طاغياً.
فالرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب وداعه للبيت الأبيض قال كلاماً خطيراً جداً نقتطف منه ما يهمنا يقول: (عندما تقلدت منصبي في 2008 كانت قوى الشر مستمرة في محاولاتها النيل من أمريكا، وكان عليّ أن أقود سفينتها بين عواصف رعدية لأصل بها إلى شاطىء الأمان، نجحت إدارتي في الخروج من العراق، ولكننا أبقينا على وجود لنا فيه، وجعلناه قسمة بين ميليشيات شيعية تقمع السنّة، وتأخذه بعيداً عن محيطه العربي، ينبغي ألا ننسى أن العهدين القديم والجديد حدّثانا عن خطر العراق اليوم، وعن عقوبة الرب لطغاة ذلك البلد، وقد بدأ من كان قبلي في تحريرها، وأكملت المَهَمَّة حتى لا تتكرر جرائم وحشية كالأسر البابلي لليهود، هذا البرنامج المتسق مع مذهبنا في شن الحروب الاستباقية ضروري لحماية «المجمع الصناعي-العسكري الأميركي» وترسيخ ثقافة القوة التي يؤمن بها مجتمعنا، هل وقع ضحايا مدنيون؟! نعم بالآلاف لقد اضطررنا إلى ذلك لنضمن تصفية الإرهابيين المستقبليين.
لكن أكبر إنجازات إدارتي -والكلام لأوباما- هي وأد «الربيع العربي» فأنتم تعلمون أن الثورات التي نشبت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2011 هدّدت أمن صديقتنا إسرائيل، التي نعدّ بقاءها في ذلك الجزء من العالم مرتبطاً ببقاء هُويّتنا نحن!! ولهذا نظرت أمريكا إلى تلك الثورات بصفتها خطراً كامناً لا بد من إجهاضه، وقد نجحنا بالتعاون مع حلفائنا في تحويل ليبيا إلى دولة فاشلة، وقضينا على ما يسمى المولود الديموقراطي في مصر، ومنعنا السوريين من الحصول على الأسلحة التي توقف قصفهم الجوي، وسمحنا لحلفائنا الشيعة باستباحة سوريا وإغراقها بالدم، فلا مصلحة لنا من انتصار ثورة تهدد الشعب اليهودي، وتعزز نفوذ الإسلام المتشدد؟! وفي الختام، قررنا إنهاء الخلاف مع إيران، بعد أن اكتشفنا أنها ليست مسلمة كما كان يُشاع، وأن التعاون معها كان هدفه كبح الإسلام السني الأكثر أهمية من الخلاف حول برنامجها النووي، وبالفعل، نحّينا الخلافات وركّزنا على المشتركات، واتفقنا على وضع الشعوب العربية تحت التحكم.
ويضيف قائلاً: ولكن الحقيقة هي أن الإسلام ذاته هو المشكلة، وأي فرار من ذلك إلى الحديث عن إساءة فهمه لن يقودنا إلى شيء، إن على المسلمين أنفسهم أن يعيدوا النظر في نصوص دينهم، ويجنحوا إلى مصالحتها مع الحداثة، كما فعلت المسيحية قبل قرون، وإلى أن ينفّذ المسلمون هذه المراجعة، فعليهم التأقلم مع الدكتاتوريات التي تحكمهم، إذ هي أفضل خيار للحد من خطرهم الكوني).
انتهى كلام أوباما أخزاه الله، هذه هي أمريكا وهذا هو رئيسهم ضمن الرؤوساء الذين حكموها (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120] فكلام أوباما قبل مغادرته البيت الأبيض هو كلام بمنتهى الخطورة لمن يعي ويفهم كيف يخططون لنسف الاسلام وغرس الفرقة بين السنة والشيعة، وتعاون الدول المجاورة لتحويلنا الى دمى في مسرح العرائس يقتل بَعضُنَا الآخر؟!
لكن الحقيقة أن التشيع في تراجع، وإيران في المصيدة، ومظاهر الحرب الدموية التي تقودها إيران في سوريا والعراق واليمن لا تعني انتشار التشيع الفارسي القومي الصفوي الدموي!! ثلاثة عقود من الدماء وأموال البترول وما يزال مشروعهم في تخبط ولم يتخط شيعتهم؟! مشروع التشيع ما يزال يواجه عقبات كؤوداً وحروباً مضنية في العراق وسوريا واليمن وازدادت الأمة بصيرة بمشروعهم النازي الدموي فتحققت المناعة التامة من هذا الوباء.
ماليزيا شرعت قانون: "كفر الشيعة"، السودان طرد السفير الإيراني وختم باب السفارة بالختم الأحمر، المغرب طرد السفير الإيراني وأغلق السفارة الإيرانية وأعلن المذهب المالكي مذهباً رسمياً للمملكة المغربية، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أعلن على لسان العلامة يوسف القرضاوي: "إن الشيعة الذين يقاتلون الأمة ليسوا من الأمة"، المرجع الشيعي السابق آية الله حسين المؤيد أعلن تسننه وأعلن فتواه ببطلان التعبد بالمذهب الشيعي، مصر أعلنت أنها ضد المشروع الإيراني، وأنها مع الأمة العربيةللتصدي للأطماع الفارسية.
الشيعة العرب في العراق عشائر فقيرة واكتشفوا وسيكتشفون أكثر مكائد إيران في جعلهم وقوداً لحروبها، العرب الشيعة في العراق اقتربوا من كشف الحقيقة، التشيع الفارسي الدموي في تراجع نعم في تراجع، إيران أرادت نشر العقيدة الشيعية بالقوة والإكراه والدماء تنفيذاً لخططها الإمبراطورية التوسعية، وهي تواجه صعوبة سياسية وأخلاقية في إقناع العالم بدمويتها، فهي الشريك الأكبر في تدمير سوريا وقتل نصف مليون وتهجير 13 مليون آخرين من أجل نشر العقيدة الشيعية بالقوة، الفكر الدموي المتطرف أيا كان ليس من الاسلام في شيء، نحن مع حرية الاعتقاد والاسلام ضمن للناس ذلك، قال تعالى: ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) [البقرة: 256].
أما إيران اليوم فتتبنى فكراً استئصالياً إحلالياً تدمر وتقتل وتغير المناطق تغييراً دموغرافياً صارخاً؛ وهذا فكر نازي دموي يجب على العالم التصدي له كما تصدى لهتلر والنازية، إيران الصفوية النازية الدموية لن تنجح أبداً في مشروعها المدمر لمنطقة الشرق الأوسط والعالم؟! لماذا؟! لأن الله سبحانه لا يسمح بذلك (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) [البقرة: 251].
ولماذا؟! لأن العالم وإن سكت اليوم فسينطق غداً ولن يسمح بذلك -أيضاً- ولماذا؟ لأن الأمة حصلت على المناعة العقائدية التامة -والحمد لله- حينما تفاجأت بدموية التشيع وخرافة عقائده ولعدائه السافر لعقيدة الأمة وللجيل الأول الذي حمل راية الاسلام، فمشروع إيران الشيعي الدموي إلى زوال ولن يفلح أبداً، وإن غداً لناظره قريب وقريب جداً..