Image title

د. علي بانافع

    ما كان للمعلم أن يكون موضوع إنشاء وهو الذي يُنشىء أمة .. 

    ما كان للمعلم أن يكون موضوع تصريح وهو الذي شاد صُروح خير أمة ..

    ما كان له أن يكون موضوع رأي ووجهة نظر آنية؛ وهو موضع احترام وتبجيل دائم ..

    ما كان له أن يكون موضوع خلاف واختلاف وهو الذي يحترم الآراء المُختلفة ويقف عندها مناقشاً ومقارناً ومقارباً لينتهي إلى رأي إجماع لا إلى رأي نزاع ..

    ما كان له أن يُطالب بحق منزوع وهو أولى بأن يُعطي ويُكَرَمْ ما أشرقت شمس وفتح باب مدرسة أو جامعة أو كتاب ..

    من أولى من المعلم بالتكريم؟!

    وهو الذي علم كل ذي علم، وكل ذي مهنة، بل كل من له بالحياة، فصادق الصغير والكبير، وكان الأب والأم والباني والصانع والمرشد والمدير، اهتم بنا عقلاً وجسماً وروحاً، كبرنا أمام عينيه وعلى يديه، ونلنا أسباب الحياة والغنى، وبقي هو حيث هو، يمارس الدور نفسه، يعلم جيلاً وجيلاً، في مكان محدود ومع راتب قاصر معدود يواجه غلاء الحياة وغُربة من  عَلَمْ، تتطور الحياة وتعلو كل المهن على مهنته، ونُشَدِدْ على مهمته، فماذا قدمنا له وقد نال الهم من همته؟! كانت مهنة المعلم من أجل المهن وأفضلها عندما كان المجتمع أُمِيِّاً، أو ليس الأولى أن يتقدم دور المعلم وأهل العلم عندما يصبح المجتمع متعلماً؟!

    كيف نتفاخر بأننا قضينا على الأمية، وأننا مجتمع متعلم مثقف، والمعلم والعالم خلف الصفوف ينظرون إلى الأبناء نظرة اعتزاز وتباهٍ بهم، أفلا يستحقون من المسؤولين نظرة إعزاز وتعزيز؟!، في اليابان وألمانيا -وما أدراك ما اليابان  وألمانيا- يُحكى بأن راتب المعلم فيها أعلى الرواتب، فكانت نهضتها التي ما أنكرها مُنَكِرْ، فكان المعلم هو الأساس وهو كذلك إن ربطنا الأسباب بالنتائج، فراحة المعلم راحة للمجتمع كُله، وقوة المعلم ورُقية عنوان المجتمع أبداً، دعم المعلم أولى من دعم الرياضة والتلفاز والفنون المتعددة الأخرى، المعلم أفضل استثمار لكل بيت ولكل دولة، ولو كان الأمر كذلك لوجدنا الرغبة في الوظائف التعليمية، ولكن الأمر على غير ذلك فكان العزوف عن الوظائف التعليمية؟! ولم يعد أحد يطرق بابها إلا عاجز أو عابر أو بائس فكيف لهذا أن يَنهل علماً؟! وأنَّا له أن يُعْطِي إن رَغِبَ في العطاء؟!

    كيف لأولئك أن يتجرؤا ويحاربوا المعلمين على لقمة العيش وكرامته؟! كيف لهم أن ينظروا إلى بعض المعلمين الكسالى ويعمموا ذلك على بقية المعلمين؟!، أفلا يعلموا بأن الفساد والخمول موجود في كل الوزارات والقطاعات، كيف ينادون بتحسين الرواتب ويشكون الغلاء ويستكثرون ذلك على المعلمين؟!، المعلم منا وفينا، وهو أستاذنا جميعاً، وعلينا أن نسعى جميعا إلى راحته مادياً ًونفسياً ومعنوياً، بذلك نُكِرِمْ أنفسنا، ونُكِرِمْ أبناءنا، ونُكِرِمْ دولتنا ونتقدم، فمن نشد القوة وسعى إليها وجدها في قوة المعلم وتحصيل الطالب وتكاتف المجتمع، المعلم هو القائد والرائد، وهو المبتدأ والمنتهى، وهو أُولى الأولويات، فلو أعدنا النظر إليه لا بالويل والثبور وعظائم الأمور، لِنُعِدْ له مكانته التي يستحق، وهو أهل العطاء وهو من يستحق عطاء تكريم لا عطاء استجداء، المعلم مَعَّلَمُ الدولة وعنوانها، وجدير بالدولة وبكل المؤسسات والشركات والهيئات أن تعمل على تعزيز شأنه، وتحقيق شؤونه، وهو الأب الأعلى والأغلى الذي يستحق كرم الدولة لا جحودها ..

آخر الكلامقيل: "إِثِنَانْ لا يُخْلِصَانْ إِلاِّ إِذَا كُرِّمَا المُعَلِمْ والطَبِيبْ".