صنعاء حاضرة اليمن وعاصمتها السياسة .. مدينة القرار الجماعي والسريع، والحرب والحب، عاصمة الروح والفؤاد ومنتهى المآرب. 

في القول المأثور "لا بد من صنعاء وإن طال السفر ولو تحنى كل عود وانكسر " 

عند دخولك إلى باب اليمن كأنك تلج عالما آخر وزمنا مختلفا .. 

دخلها التاريخ من كل الاتجاهات، ومن أبوبها السبعة، قيل عنها ذات تاريخ، إنها المدينة المدللة التي تتخذ قراراتها من "طيرمانات" القات والماء المبخر وتترك التفاصيل لرجال القبائل. 

كثيرون هم الذين دخلوا صنعاء، لكن سرعان ما يغادرونها بعدما ينقسمون، وتبقى صنعاء مدينة لا تتكرر ولا تنقسم .. لا تعرف من يدخلها ومتى ومن أين، فأبوابها سبعة يصفها المقالح شاعرها الذي هام بها: 

هي عاصمة الروح 

أبوابها سبعة 

والفراديس 

أبوابها سبعة 

كل باب يحقق أمنية للغريب 

ومن أي باب دخلت 

سلام عليك، 

سلام على بلدة 

طيب ماؤها طيب 

في الشتاءات صحو أليف 

وفي الصيف قيظ خفيف 

على وابل الضوء تصحو 

وتخرج من غسق الوقت. 

صنعاء الحب والتاريخ! 

من يدخلها في الغالب ليس بحاجة إلى مفاتيح أبوبها، فمفاتيح صنعاء كالقلب .. 

لا تعرف من يطرقه ليدخل بتفاصيل تختلف .. 

فصنعاء الروح والسلام والحرية والكرم الجمال والغنج والوقوع في الحب، 

سترى الله بقلبك حين تزورها، وتتمنى لها الخير لتتخلص من الشر والتحريض والانتقام. 

.

عن تاريخ صنعاء ..!

أتت بها أقدار الله بداية التاريخ.. بعد الطوفان سكنها سام بن نوح عليه السلام فسميت مدينة سام حكمها أزال بن يقطن، فسميت مدينة أزال غزها الأحباش فهابوا تحصينها وأسوارها فقالوا عنها محصنة وكثيرة الصناعة فسميت صنعاء. حكمها الأيوبيون والأتراك كل خلق الله مروا بها دخلها الأئمة من أبوبها الخلفية ودخلها الساسة بنسخ مفاتيح مقلدة لتختلف الأدوار في التسليم والحصار وتبقى صنعاء غاية في الجمال والزخرفة. 

تحشد إليها ملوك المال والدم والنهب والجمال، تمارس طقوس تاريخها بمزاج عاشق هادئ تقرر متى تشاء تسليم مفاتيحها في نهاية المطاف لمن يجرؤ ..

.

لنا صنعاء والمسك في محاربها! 

كل شيء هنا في صنعاء مختلف، من هنا تخرج الحكايات والخرافات والأمثال والنكت والحكم والأغاني والموشحات والمال والتحف والتحالفات، 

يرى المقالح أنها "كانت امرأة، هبطت في ثياب الندا ثم صارت مدينة". 

توجت المرأة ملكة هذه البلاد "بلقيس وأروى"، لذا أحترس .. حتى لا يضيع قلبك في الزحام كل ما هنا متشح بالأبهة ما تزال النساء يلبسن ملابس الملكات يمارسن عادتهن في الغنج يجتمعن في أحد هذه البيوت فينتشر الجو الأسطوري بذاك المكان ومن هناك تخرج حكمة و تلك تقول نكتة وهذه تحكي قصة لا تتنصت على ذاك الكلام سوى شمس المغيب التي تفضحها "القمرية" وترسل بأشعة ملونة على أرجاء المكان تقول لقد سمعتكن فتنتشر كل تلك الحكاوي لتكون أدبا شعبيا لا يعلم أحد قائله. 

فيهيم العاشق البائس بصنعاء ساعيا على الرأس إلى تلك الربى لعله يجد ما يشفي وجد قلبه .. فيغرد منشدا: 

أحبة ربى صنعاء رعى الله صنعاء 

كيف ذاك الربى ما زال للغيد مرعى 

لو يقع لي إليه أسعى على الرأس لأسعى 

يا بروحي نجح روحي بلابل وأشجان 

ليت شعري متى شالقي عصاة المسافر 

وأي حين شايعود لي عيش قد كان نافر 

كل شيء جميل في صنعاء يبقى، ويخرج منها الغزاة القادمون من خارج التاريخ لأنها فقط تؤمن بالتاريخ. 

اليوم كل ما في صنعاء يتلخص بوصف شاعر اليمن البردوني 

ماذا أحدث عن صنعاء يا أبت؟ 

مليحة عاشقاها: السل والجرب 

ماتت بصندوق «وضاح» بلا ثمن 

ولم يمت في حشاها العشق والطرب 

كانت تراقب صبح البعث فانبعثت .. 

في الحلم .. ثم ارتمت تغفو وترتقب 

لكنها رغم بخل الغيث ما برحت 

حبلى وفي بطنها «قحطان» أو «كرب» 

وفي أسى مقلتيها يغتلي «يمن» 

ثان كحلم الصبا .. ينأى ويقترب. 

تعددت أبوابها ومفاتيحها فأصبحت صنعاء اليوم مدينة مفتوحة الأبواب والنوافذ عاصمة مشوهة ومخزن السلاح والصراع يختلف الناس فيها في كل شيء ويتفقون على التنوع. 

في النهاية مهمتها صنع الزعماء، والقادة القادمين من مناطق خارج التاريخ، لتدفع هي الثمن وتبقى محمية بأسوارها وعشاقها البائسين. 

عندما دخلتها ذات صيف قالت: يجب عليك معرفة أسرار المفاتيح والأبواب المتعددة لم ادرك حينها أن من يدخلها عاشقا لا يغادها كما في الحروب، فصنعاء مدينة تعيش فيها ولا تعرفها. 

هيا اذن صنعاء لا بد منها وإن طال السفر!