وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
تخيل انك طفل صغير تهرول في غابة موحشة, ثم افتح ابواب مخيلتك لتدخل اليها عشرات الصور المخيفة لوحش ترى افعالة وتتعدد اشكاله وتسمع خطاه تزلزل الأرض من تحتك, فحينا يدكُّ الأرض وحينا آخر يسف الأشياء إلى فمه دفعة واحدة وتستغرب ذلك المخلوق المتعطش للدماء والهدم وتستغرب كيف تتلاشى هيئته احيانا وكيف تبرز احيانا أخرى كـ أسوء مايكون الخلق. وتصور أن يكون هناك العديد من أمثاله أو أسوء منه, يتنازعون على وليمة أنت محتواها, ثم تصور مصيرك بين يدي من يقلع الأخضر واليابس في غابة أكتفى أهلها بالعيش تحت الأرض.. هُم في اللامكان واللازمان يرضون بالتغييب والتهميش وارذل العيش.
وتخيل أنك لاتجروْ على الأختباء تحت الأرض كما يفعل الباقون لأن عليك البحث عن أمك التي اختطفها الأشرار وبيتك التي كسرت سقفه العاصفة فأصبح ملجأ لهوام السماء والأرض.
لوتملك السلاح ربما استطعت إنجاز نصر إما بقتل الوحش أو بتحرير أمك أو بإعادة بناء سقف الدار, لكنك لاتملك سوى قدميك تركض بهما للنجاة مااستطعت إلى ذلك سبيلا.
تتمنى حين تتكالب عليك أوجاعك لو أن للمسلم دير كما هو في الشريعة المسيحية.. تتمنى الآن أن تجد سقفا يأويك.. تتمنى ملجأ يسترك ريثما تلملم بقاياك..
وتتساءل وأنت في قلب المحنة:
لم لايكون هناك ملجأ على غرار الدير.. ويتناهى إلى سمعك قول بعض الألسن: الملجأ هو الله.
وأنت أوقن بذلك منهم.. ومع هذا ستحاطبهم بالحسنى : الله أوصى بالتراحم في الأرض فهل أنتم راحمون.. أم أن أنكم تستعذبون ضياعي.
وفي وقت لاحق ستكتشف عبثية الحوار وستصمت.... وربما اعتذرت لئلا تدخل في مالاطاقة لك به.
وستتذكر وانت في رحى محنتك أن عليك ألا تسخطٌ على اللؤم البشري!"
وستتذكر وانت في رحى محنتك ايضا أن عليك مجاراة الظروف وتجنب الوقوع وشد همتك التي أنهكتها المفترقات وأن عليك أن لا تنظر إلى الوراء
وتَذكَّرْ كلمات كارلوس اوريليوس: أن الكائنات العاقلة قد خُلِقَت من أجل بعضها البعض، وأن الصفح جزءٌ من العدل، وأن الناس تفعل الشر عن غير عمد، واذكُرْ كم من الناس قد قَضَوا حياتهم في عداوةٍ وشكٍّ وبغضاء وحربٍ معلنة، ثم لَفَّتهم الأكفان وصاروا رمادًا، وكُفَّ عن لَجَاجتك.
(الكتاب الرابع من تأملات ماركوس اوريليوس)
عندها ستصل إلى القناعة بالمثل الشعبي القائل:
(ما حك جلدك مثل ظفرك)
إذن عليك أن تتعلم كيف تدير نفسك وقضيتك بما يتهيأ لك من العقل والأمكانات لأنك أنت صاحب المأساة وليس غيرك.
تذكر هذا قبل أن تواصل ركضك وبحثك عن مخرج يرضيك.
بقلم: أمل عبدربه