قال ابن خلدون في تاريخه : " إنَّ العرب لا يحصل لهم الملك إلَّا بصبغة دينية من نبوّة أو ولاية أو أثر عظيم مِنَ الدين على الجُملة ، والسبب في ذلك أنَّهم لخلق التَّوحش الذي فيهم أصعب الأُمم انقيادًا بعضهم لبعض ، للغِلظةِ والأنَفة وبُعدَ الهِمّة والمنافسة في الرِياسة فقلّما تجتمع أهواؤهم ، فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهبَ خلقُ الكِبر والمنافسة منهم ، فسهُلَ انقيادهم واجتماعهم وذلك بما يشملهم مِنَ الدين المذُهِبِ للغِلظة والأنفة الوازع عن التحاسد والتنافس ، فإذا كان فيهم النبيُّ أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمرِ الله ويُذهِبُ عنهم مذمومات الأخلاق ويأخذهم بمحمودها ويؤلّفُ كلمتهم لإظهار الحق ، تمَّ اجتماعهم وحصل لهم التغلُّبُ والمُلك. وهم مع ذلك أسرعُ النَّاس قبولًا للحق والهُدى لسلامةِ طِباعهم مِنَ عوجِ المَلكات وبراءتها من ذميمِ الأخلاق إلَّا ما كان من خُلُقِ التّوحش القريب المعاناة المتهيىء لقبول الخير ببقائه على الفطرة الأولى وبُعدَهُ عمَّا ينطبِعُ في النفوس من قبيحِ العوائدِ وسُوءِ الملكات ، فإنَّ كُلَّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ كما ورد في الحديث وقد تقدّم ".