قال هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال: دخل رجل من بني عذرة على عبد الملك بن مروان يمتدحه بقصيدة وعنده الشعراء الثلاثة، جرير والفرزدق والاخطل، فلم يعرفهم الأعرابي.
فقال عبد الملك للأعرابي: هل تعرف اهجى بيت قالته العرب في الإسلام ؟ قال: نعم
قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فقال: أحسنت، فهل تعرف أمدح بيت قيل في الاسلام؟
قال: نعم
قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
فقال: أصبت، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟
قال: نعم
قول جرير:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله أركانا
فقال: أحسنت، فهل تعرف جريراً؟ قال: لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق.
قال: فهذا جرير وهذا الفرزدق وهذا الاخطل!!
فأنشأ الاعرابي يقول:
فحيا إلاله أبا حرزة
وأرغم أنفك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به
ورق خياشيمه الجندل
فأنشأ الفرزدق يقول:
يا أرغم الله أنفا أنت حامله
يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حكومته
ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
ثم أنشأ الأخطل يقول:
يا شر من حملت ساق على قدم
ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا
في معشر أنت منهم انهم سفل
فقام جرير مغضبا وقال:
أتشتمان سفاها خيركم حسبا
ففيكما - وإلهي - الزور والخطل
شتمتاه على رفعي ووضعكما
لا زلتما في سفال أيها السفل
ثم وثب جرير فقبل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له، وكانت خمسة آلاف، فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي، فقبض الأعرابي ذلك كله وخرج.
من كتاب ( البداية والنهاية ) لابن كثير .