قصص نشأة الأشياء مثيرة للدهشة ولاتخلوا من الطرافة في كثير من الأحيان. فلماذا مثلاً سمي مختبر شركة لوكهيد السّري " سكنك وركس" باسم حيوان الظربان نتن الرائحة (Skunk) ؟

سكنك وركس هو مختبر الطيران السري الذي يعمل وفق قواعد خاصة وبشكل مستقل عن الشركة الأم لوكهيد مارتن المتخصصة في تقنيات الطيران العسكرية بالدرجة الأولى. القصة كما يرويها بين ريتش في مذكراته تقول أن أول مبنى للمختبر في الخمسينيات الميلادية كان عبارة عن خيمة سيرك تقع بجوار مصنع بلاستك يبعث روائح نتنة مما حدا بأحد المهندسين أن يأتي للعمل مرتديًا قناع غازات احتجاجًا على الرائحة..فأطلق بعد ذلك اسم سكنك وركس تيمنًا بشخصية ظهرت في كاريكاتير معروف في تلك الفترة لمصنع يُطحن فيه حيوان الظربان لتصنع منه منتجات متعددة.

صممت في سكنك وركس طائرات متعددة أشهرها في العصر الحالي طائرة الشبح وسبقتها بلاك بيرد و يو2 التي أسقطها السوفييت وتسببت في إحراج الحكومة الأمريكية عندما اعترف قائدها بأنه كان يقوم بعملية تصوير تجسسية وحكم عليه بالسجن إلى أن تم استبداله في صفقة تبادل جواسيس وثقت في فيلم جسر الجواسيس. من القصص الطريفة التي يرويها المؤلف تدور حول طائرة يو2. فقد احتاجت طائرة يو2 التجسسية لوقود يشتعل بموثوقية على ارتفاع ٧٠ ألف قدم فطلبت سكنك وركس بكل سرية من شركة البترول العملاقة شل تطويره ، ولم تجد شِل مادة شبيهة بالكيروسين تفي بالغرض سوى مبيد الحشرات "فليت" فحولت أطنان منه إلى سكنك ووركس لتشغيل الطائرة واختبارها مما تسبب في نقص حاد للمبيد في الأسواق الأمريكية نهاية الخمسينيات. وهكذا كان ديدن سكنك وركس في التعامل مع الشركات الوطنية لتطوير الأنظمة المساندة التي تحتاجها في مشاريعها السرية مثل كوداك وتطوير أفلام عالية الحساسية وبرات آند ويتني في تطوير محركات الطائرات عالية الأداء. 

تم في سكنك وركس أيضًا تطوير تقنيات متقدمة عديدة بعضها لم ير النور في منتجاتها، ولكن تمت الاستفادة منه في قطاعات أخرى بعد سنوات ومنها على سبيل المثال تقنية الهيدروجين السائل الذي تم إتقان التعامل معه كوقود مقترح لطائرة بوقود هيدروجيني سائل ثم ألغي المشروع. بذل مهندسو وفنيو سكنك وركس جهدًا عظيمًا في تعلم التصميم والتشغيل والتعامل مع الهيدروجين السائل وعندما ألغي المشروع لم تمرسوى بضع سنوات نقلت بعدها سكنك وركس التقنية لتستخدم في مركبات سنتاور الفضائية.

كما تم في سكنك ووركس الوصول لاكتشافات جوهرية في هندسة المواد والتيتانيوم تحديدًا خلال مشروع طائرة بلاك بيردالفوق صوتية. طور المهندسون خلالها تقنيات تشغيل معدن التيتانيوم وأدوات القطع والفك الملائمة له بعدتلف معظمها،  ومع الإصرار والالتزام صار لديهم دليل ومنهج تدريبي متكامل شكل مرجعًا و قاعدة انطلاق لاستخدام تلك المادة المذهلة في تطبيقات متعددة. كما اكتشف المهندسون خلالهاحساسية التيتانيوم لمادة الكلور التي تؤدي لحفره رغم صلابته ومادة الكادميوم التي تفتته رغم متانته..

لا يوجد مثيل حقًا يعدل المشاريع العملية في قدرتها على حفز التعلم وبناء القدرات وحشد الطاقات للإنجاز واكتساب معرفة تورث لأجيال.

المرجع : #Skunkworks : A Personal Memoir of My Years at Lockheed