يمكننا وصف التعلم Learning بأنه عملية اتصال بين طرفين يجمعهما فضاء اتصالي جيد يساعد في نقل المعلومات أو تبادلها بحسب نوع التعلم وطبيعته. وإن كان لا بد من معلم ومتعلم في العملية التعليمية، فإن أدوات الاتصال وأساليبه المتاحة، يكتسبان أهمية مماثلة للطرفين الأساسيين. إن التعلم وسيلة تواصل وهمزة وصل بين الأجيال والمعارف، ولو لم يكن ثمة تعلما لانقطع عزف المعرفة وصمت صيتها؛ إذ الإنسان وهو حامل المعارف محدود الأجل ومعرض لمختلف آفات الزمان. بالتعلم من السابق يكتسب اللاحق جملة المنتج من المعرفة، ويصبح (المتعلم) أداة وصل لما سبق من المعارف بما يستجد منها.


من المهم أن يستقر في ذهن الطالب أن المعرفة "نشاط مفضل" في سلة أنشطته وبرامجه المعتادة، وليست عبئا ثقيلا وجهدا لا يطاق Learning is not a heavy burden. عندما نطلب من الطلاب تحديد أبرز هواياتهم المعرفية، تتوارد إجاباتهم بسلاسة متسقة مع أعمارهم ومستوياتهم الذهنية Smoothly in line with their age، وتتكشف بشكل تلقائي، ميولاتهم الدراسية، ودرجات التفاوت في حبهم لما يتلقونه من مواد ومقررات. ويساعد الكشف عن تفضيلات الطلاب في معالجة ما يواجهونه من صعوبات أكاديمية، وما يعانونه من صعوبات في التواصل مع مدرسي بعض المواد study and communication difficulties ، وما يحتاجونه من أدوات، قد يكون توفرها سببا حاسما في ارتباطهم بها وحبهم لها وتفوقهم في تعلمها. قبل أن نلوم الطلاب على الانصراف عن التعلم والمعرفة، يجدر بنا أن نغرس في نفوسهم أن المعرفة نشاط مفضل وهواية ممتعة. إن النقلة الحاسمة في مسار التعلم، قد تكون فكرة أو مفهوما فعالا good concept يتبناه المتعلم ويقيم عليه بناءه المعرفي. والملاحظ أن غالب جهودنا في مجال (التعليم والتعلم) إنما تتركز على تكثيف الأنشطة intensification of activities من ناحية، أو التعويل على صور التعلم وأدواته وتقنياته كإجراءات جوفاء فاقدة للروح والمضامين. 


إن التعلم جهد ذهني بطيء النتائج slow results، مما يتطلب توفير مبررات جيدة وكافية، في ظل التنافس الشرس للاستحواذ على أوقات الطلاب على وجه الخصوص وجذب اهتماماتهم إلى ساحات أخرى أكثر بريقا وأوفر إثارة More excitement من ميادين التعلم. إن ما نطمح إليه من نتائج جيدة وتغير كبير في أداء الطلاب، قد لا يكون بنفس سرعتنا في صياغة الأفكار وإعداد الخطط وتقديم البرامج، لكن المهم قطعا هو نجاحنا في إحداث مستوى من التغيير في مفاهيم المتعلمين، وإعادة رسم الصور الذهنية، في خطوة وصفناها بعملية إعادة “ضبط الإعدادات”. وتعد سيرة الطالب student cv أداة مهمة لمتابعة نموه الشخصي، وتتضمن حسب نموذج ASC ثلاثة عناصر رئيسة هي (المواهب والهوايات والطموحات). وتمثل الهوايات أفضل وسيلة لاكتشاف العلاقات المتوفرة بين قدرات الطالب وملكاته من ناحية، وطبيعة ميولاته، وطموحاته المستقبلية. ويأخذ ASC منحى جديدا في الاهتمام بأنشطة جميع الطلاب، والعمل على اكتشاف ما لدى كل منهم من ميول منشطية، مما يسهم في زيادة فاعليتهم ويعزز درجة تواصلهم البيني وارتباطهم بمؤسساتهم التعليمية.


في نموذج ASC، تصنف الهوايات إلى أربعة أقسام تتصدرها “المعرفة” وما يتصل بها من أنشطة التعلم والتحصيل المعرفي، بمختلف أدواته وقوالبه وإطاراته. إن تغيرًا كبيرًا ينتظر أن يضيفه النموذج فيما يتعلق بنظرة الطالب للمعرفة، و"تحسين مستوى الاهتمام بها"، حسب تعبير طالب بالثانوية. ويهدف النموذج من وضع النشاط المعرفي في سلة هوايات الطالب، إلى ترقية المعرفة والتعلم إلى مرتبة الأنشطة المحببة، أسوة بالرياضة والترفيه. إن ما يقوم به “ASC” محاولة لتوظيف العقل الباطن في ربطه بين المفردات والأحداث، وإنتاجه مشاعر متماثلة برابط التزامن. ولك أن تتوقع ما سيجنيه مستخدم النموذج وهو يقبل على المعرفة كنشاط مفضل في سلة هواياته You can expect what the user of the form will earn when he sees knowledge as a favorite activity، وما يرسخه ذلك من حب للمعرفة. قد تكون مهمة المعلم في ترسيخ “حب المعرفة” شاقة بدرجة كبيرة؛ نسبة لما تصنعه البيئات الاجتماعية من معاجم في الواقع، وتحديدها لأوزان الأشياء وأدوارها، ومن ذلك المعرفة بالطبع. إن تأكيدنا على صعوبة مهمة المعلم، ليس سوى تنبيه؛ حتى لا يتخطفه اليأس حين يتبنى معظم الطلاب تفسيرات مزرية بالمعرفة والتعلم، ولا يحطمه الإحباط وهو يشاهد تباين الأوزان على صفحة الواقع.


في مقالنا "نحو مفهوم جديد للهوايات"، قدمنا تصورا واسعا للهوايات، لتشمل جميع الأنشطة المفضلة للشخص، ومن بينها بالطبع، الأنشطة (الجادة) إلى جانب أنشطة الرياضة والترفيه.. وفي مقدمة الأنشطة الجادة (التعلم) و(العمل). إن حب العمل لا ينفصل عن «حب المعرفة» The love of work is inseparable from the love of knowledge؛ بالنظر إلى أن «العمل» نفسه من ضروب «التعلم» ودرجة من درجات المعرفة. ولنا أن ننظر إلى العمل بوصفه تطبيقًا للمعرفة، ومنتجًا لها في نفس الوقت. أما إتقان العمل فهو درجة أرفع من مجرد أدائه، ولا تخفى صلة ما بين الإتقان وحب العمل. إن المتقن لعمله المتفاني فيه هو ذلك المتعلق بمهنته ومجاله، الشغوف بهما، لا ذلك المؤدي لمهامه بدافع الواجب في أحسن الأحوال، إن لم يكن مجبرًا عليها ومضطرًا.


وفي استخدامنا للمفهوم الجديد، عبر تطبيق نموذج ASC، استمر تأكيدنا على صلة ما بين المعرفة والعمل من ترابط وتعاضد We continue to emphasize the relationship between knowledge and working، وعادة ما تظهر علاقات أكبر بينهما مع تقدم مستوى المستخدم. عند استخدامنا للنموذج في المرحلة الثانوية، يتجه اهتمام الطلاب الى ما يتوفر من علاقات بين تفضيلاتهم المعرفية واختياراتهم المهنية مستقبلا، لكن النموذج يوفر لهم منطقة وسطى بالغة الأهمية، وتتمثل في الأنشطة الجارية، وما إذا كانت متصلة بأنشطتهم المعرفية أم لا. إن اهتمامنا بترسيخ «حب المعرفة» والشغف بها في نفوس الطلاب مبكرًا وهم في أطوار التشكل والنضوج، يتسق مع رغبتنا في التعامل معهم، فيما بعد- كمهنيين ومختصين أكثر شغفًا بأعمالهم بمختلف ضروبها Our interest in instilling a 'love and passion for knowledge' in students' hearts corresponds to our desire to connect with them later - as professionals who are more passionate about their work بغض النظر عما تصنعه معاجم المجتمع ولغة الواقع من تصنيف وتمييز بين الأعمال والمهن. إن من ينشأ في حبٍّ للعلم والاكتشاف، سيكون محبًا لممارسة ما تعلمه وتطبيقه عمليا Who grew up loving knowledge and discovery, he will love apply what he has learned، كخطوة جديدة في مشوار التعلم، تزين صدره، وتنير ذهنه، وينفع بها الناس. 


في سياق اهتمامه بأنشطة العمل والإنتاج، أولى المفهوم الجديد للهوايات، عناية خاصة بالعمل التطوعي The new concept of hobbies focused on voluntary activities، وأفرد له نموذج ASC عنوانا مستقلا، وإن كان نوعا من العمل. وتبدو فرص الإتقان في الأعمال التطوعية أكبر، من حيث ارتباط التطوع بالرغبة والشغف passion عادة، بخلاف الأعمال العادية، وإن كان الشغف مهما في كليهما. ويمثل إدراج التطوع في مصفوفة هوايات الطلاب، إلى جانب كل من المعرفة والرياضة والعمل، حزمة متكاملة توظف مختلف القدرات (ذهنية وبدنية ونفسية) في تآزر وتناغم بديع يؤكد أن تجديد مفهوم «الهوايات» لا تقف إيجابياته عند مرحلة «المعرفة» فقط، لكنه يمتد إلى صويحباتها الأخريات في سلة هوايات الطالب. يقول أحد مستخدمي «ASC»: «لا يقف النموذج عند مساعدتنا في اكتشاف هواياتنا المعرفية والمهنية، بل يطلب منا معرفة ما بينهما من علاقات أيضًا». ويعمل النموذج على اكتشاف ما بين هوايات الطالب المعرفية والمهنية من صلات وروابط، من شأنها نقل شغفه بالمعرفة إلى شغف مماثل بالعمل from a passion for knowledge to a passion for work، سواء كان بأجر محدد أو تطوعا.

----------------