هذا درس من دروس التربية الإيمانية، وأقوله ليس سردا لأحداث، وأخطه ليس إنشاءًا لأنباء، فذلك باب مستفيض، وذلك علم قد تواتر نقله، وذلك خبر قد تناقلوه كابرا عن كابر، ولكنني آثرت من ذكره أن يكون ناموسا وطريقا. ولكنني رغبت من حكايته أن يكون منهجا وسبيلا.
ولهذا فقد كان كفيلا أن يوليه دين الله تعالى الإسلام عنايته، ولقد كان قمنا أن يرعاه القرآن المجيد حق رعايته، ولقد كان حريا أن يُبدأ أول ما يُبدأ به هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وذلكم في قوله تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم : 4]. إذ إن في ذلكم الأسوة، وإذ إن في ذلكم القدوة، ودلك عليه خبره من قوله، ووقف عليك حديثه من كلامه وصدقه، وعبيره ومسكه وطيبه صلى الله عليه وسلم، في أجمل عبارة، وكم كان حسنه وبيانه في أتم إشارة صلى الله عليه وسلم "إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ"![1]. ضربا لسنة التذكير، وإعمالا لمنهج التعليم، كيما تتربى أمة على التقوى، وكيما تتنشّأ جماعة على الخلق الحميد الرفيع النبيل، وخاصة أنها تيكم الأمة التى كان من شأن نزول القرآن العظيم فيها، إلا أنها خير أمة، وإذ كان ومن الآن أيضا، أنها لن تكون مربية، إلا وإذا كانت هى نفسها مرباة، على مائدة منهج الله تعالى، القرآن العظيم، ذلكم القرآن، الذي قد كان من منح ربه فيه، أنه قد كان سببا في صهر جيل هكذا فريد، حين قد تزيَّ بأخلاق الأنبياء، وحين قد ازدان بقيم الحنفاء، وعلى ما زكاهم به رب الأرض والسماء، حين قال الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[آعمران:110].
ولما كان الشأن فيهم هو حرصهم على استمداد عطاء التقوى والصلاح والإيمان في قلوبهم، ولما كانوا كذلك مدفوعين به من تلقاء نفوسهم، ولما أن اتخذوا سبيلا لهم من لدن خالقهم، لا من سبيل آخر يكون سبب اعوجاج وانعطاف، ولا من طريق سواه، يكون موجب ميل وانحراف.
وما كان ذلك كذلك إلا رحمة بها من ربها، ولما كانت هكذا، قد شاء الله تعالى لها، أن تكون أربى الأمم في مواطن الهدى والزكاء، وأن تكون سباقة في مظان الخير والفضل والنماء، وأن تكون مقدامة في مواطن البذل والسخاء والعطاء، متسارعة خطاها ذلكم التسارع، الذي يسمونه إيجابي[2]. ولأن أمة هذا شأنها، لايعرفها ولا يدَّاركها ذلكم التسارع الذي يدعونه سلبي![3]. ويكأنها وبذلكم قد أمكنها حيازة ما وسعها من رصيد إيماني، ممزوجا بذلكم التفرد الأخلاقي، ومشمولا بذلكم السموق والرقي، ومسيجة حياتها بذلكم السمو الأعلى من القيم النبيلة، ومن ثم يكون أساسه الأخلاق الفضيلة، مما أهلها أن تكون بحق خير أمة، ومما منحها وساما أن تكون بحق به أعلى قمة.
ومن كل ذلك، ومن غيره سواه، أو مثله، أو ضعفه، كان لهذه الأمة أن تتربى خير تربية، لأنها كما قلت كان الأصل فيها، أنها مؤهلة لقيادة هذه البشرية، في أطوارها العديدة، ولأنها بإذن ربها موكلة للقيام على نشر دين ربها، وتبليغه الآفاق، وليس يتأتى لها من ذلكم من شيء، وهي إذ تتوحل في وحل دنو أخلاقي، أو وهي إذ تتلطخ بذلكم سفل لدني، وإذ إنه قد تعارف العقلاء، أن فاقد الشيء لا يعطيه، وإذ قد تعاهد الحكماء، أنه:
يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ
هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى
كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا
فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى
بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصل التسليمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ[4].
وإذ كان من سابقه قول الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:2،3]. وإذ كان منه قوله تعالى أيضا ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾[النازعات:40،41]. وإذ كان منه قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم "دَعُونِي ما تَرَكْتُكُمْ، إنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ[5].
ومن أجل ذلك، ومما سواه، وضعفه معه، كان ذلكم البيان، ومن أجل ذلك، ومثله معه، كان ذلكم التنويه، بقيمة الأخلاق والتربية الحسنة، وكيف أنها سبب البقاء، وأن انحدارها سبب الفناء، وسل الأمم والتاريخ، من قبلك؛ لتجد أن قولنا ممهور، بصدق الواقع وحكايته، ولتقف على منهجنا أنه مدموغ بحق التاريخ وشهادته، إذ لم يعرف أن أمة علت، وأخلاقها إلا عالية، وإذ لم يعهد أن أمة سفلت، إلا وأخلاقها متدنية.
ودلك على صدق قولى، إنك تجدهم من أول ما يذكرون في أسباب سقوط هذه الحضارة أو تلك إلا ويقولون إن من أسباب ذلك هو الترف، وتراهم يشرحون ويزيدون إليه السرف! ناهيك عن ظلم كان محققا، وذلك فضلا عن جور كان يقينا، ويكأنهم مطبقون أن النعيم حقل ليس يدرك بالنعيم، وأن النعيم إنما يدرك بإيمان صحيح بالله تعالى، مَقْرونٍ بعمل مصدق لهذا الإيمان، وإلا كان الإيمان بغير هذه المثابة، مجرد دعوى، تفتقد إلى دليل، يصحح مسارها، وهذا هو مقتضى قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيم ﴾ِ[لقمان:8]. وإنما كان قوله صلى الله عليه وسلم "اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا"[6]. تبيانا لحقيقة ند عن إدراكها الكثير الغالب، وأيقن فقهها القليل النادر!
ودع عنك قولا، ظاهره من قبله العذاب، أنَّا نرى أمما قد تقدمت! وها نحن نرمق أخرى قد تحضرت! وإذ إنَّا نراها رأي أعين رؤوسنا، وأقول إن هذا لعارض، وعرض في آن، ذلك وأنه ليس يحسب لحساب سقوط أمة، أو حضارة، أو فصيل، مئة سنة! أو مئتين! فإن ذلك في التاريخ لقليل، وإنه ليحسن ذكر أن أمة قد كان من نصيبها، أفول نجمها، وهي إذ تنحدر في أخلاقها، أفرادها، وجماعاتها، ومهما تزيت، ومهما تشكلت، ومهما خادعت، أو انخدعت، أو خادعت، فإن ذلكم مظهر شكلي، ليس يمنحها من قوة، وغنه لسراب خادع ليس يهبها قدرا من بقاء، وهو ذلكم منظر هلامي سرعان ما تنكشف أمام الأخيار حقيقته، وذلكم بعدما بانت سريرته، وسوأته، ورائحته الزاكمة لأنوف الصالحين والقانتين والمصلحين، وخاصة عند انهياره قدام الحقيقة الغائبة، وإنه لجدير هبوطها وانحدارها واندحارها واندثارها، أمام هذه الدوامغ الغالبة، ولدى ظهور اليقين الجازم، وأمام سيل الهدى الحازم، وعند بدو ذلكم سيله الهادر الجارف الخلاب، والذي كان من حقيقته لمعانه الآخذ بالألباب، والذي كان من إلفه نوره الهاديء المستنير، والذي كان من حسنه شعاعه المضيء، وما ذاك إلا لأنه قد قام على الهدى، من أول يوم فيه، فحق له أن يضيء، وحق لأهله أن يسيروا عليه، غير خزايا ولا مفتونين، إن هم إلا مصابيح الدجى، وإن هم إلا قناديل الخير في ظلام الضلال الدامس، في بحار يتلاطمها الجهل والجهالات، فجيء بهم اجتباء من ربهم، هداة مهتدين، وإذ قد كان من توفيقهم، أن رعتهم عنايته، وإذ كان من صدق إيمانهم، أنهم قد أكلأهم حفظه وقدرته.
ولأدلك على صدق قولي، فأنت مدعو ههنا بدعاية الخير والإسلام والنور أن تذَّكَّر برهان ربك الرحمن، وأن تدَّكَّر قوله سبحانه ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب:43]. ولأزف إليك حديث الصحابي الكريم حذيفة ابن اليمان، حين حدثنا عن نفسه حديثا، ينبئ عن معدن هكذا أمة، كان يستشرف الخير أفرادها، وحين يدلك على هكذا فئة، كان يخاف الشر أبناؤها، وذلكم حين قال رضي الله تعالى عنه " كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ، فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ قُلتُ: وهلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، وفيهِ دَخَنٌ قُلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وتُنْكِرُ قُلتُ: فَهلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقالَ: هُمْ مِن جِلْدَتِنَا، ويَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا قُلتُ: فَما تَأْمُرُنِي إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ، قُلتُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ ولَا إمَامٌ؟ قالَ فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، ولو أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ، حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وأَنْتَ علَى ذلكَ"[7].
والشاهد قوله" فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ" وهذا إطباق على أن الإسلام خير أجمعه، بل إن الإسلام هو الخير كله! وأن الله تعالى قد أكرم به عباده.
وانظر كيف كانت موائد تربيتهم، وهم أولاء يتذاكرون أمرهم، الذي كان تندرا، إن شئت فقل، وأبصرهم وهم أولاء يتذاكرون فضل ربهم، إذ ولما أن رأوا النور، يهدي به الله تعالى قلوبا غلفا، وأعينا عميا، وأذانا صما، وهو من مقتضى قول الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[المائدة:15،16]. ومنه حديث "قُلتُ لِجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، كانَ لا يَقُومُ مِن مُصَلَّاهُ الذي يُصَلِّي فيه الصُّبْحَ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَيَأْخُذُونَ في أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ"[8]. وانظر سمتهم، وأبصر صنيعهم، وهم أولاء، وكأنهم أمة يقودها اللطف والحلم والرضا والسماحة، حتى علت بسمتهم وجوههم، وحتى طبعت في محياهم سعادتهم وفرحهم، بيوم أشرق فيه عليهم هدى ربهم، ولطف خالقهم بهم.
وانظر حال نبيهم صلى الله عليه وسلم فيهم، وهو إذ ينبيء عن رضاه عن فعلهم، وهو إذ يعني تَواضُعَه صلى الله عليه وسلم، تأدبا حميدا، وسمتا مشيدا، وتعليما مجيدا.
ولأبين لك كيف كانت هذه خير أمة، ولأقف بك على برهان أنها كانت أقوم قدوة، وأحسن أسوة، وأندى رصيد من قوة، في اجتماعها، وإلفها، وتحابها، وانسجامها، حتى بدت وكأنما هي الجسد الواحد، وهو إذ يريك خيره وثمره الكثير المدرار الواعد، وكأنما كان من صورته ذلكم الذي أبانه لنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حين قال" تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى"[9].
وأعود لأقول: إنه لولا ذلكم الأخذ على أيديهم، وهم مازالوا في طور تنشئتهم، وإذ لما كان القرآن العظيم هو حاديهم، نحو غايات الخير والصلاح والتربية الإيمانية الجادة، لصقلهم، ولتمحيصهم، ولتربيتهم، نحو الأخذ على أيديهم، وأقول أيضا: إنه لولا ذلكم حزم في الإدارة، وإنه لولا ذلكم حلم ممزوج برحمة، عهدت عنه صلى الله عليه وسلم، فما كان يمكن قول إنهم بهذا الطراز الفريد المتميز، سوف يكونون، وليس يمكن ادعاء أنهم على هكذا قمم صلاح سامقة سوف يتخرجون، وإنهم ليس يكونون منابر نور نصرهم، أو إنهم ليس يكونون مآذن فوزهم وتمكينهم، في أرض الله تعالى، إلا أن كانوا على أحسن تقويم، في باب الأدب الحميد الجم الغفير، والخلق الرفيع الثرِّ الغزير، موازاة مع أنهم يحملون بين جنبات صدورهم، علما مُجْتَمِعا عن ربهم الحق سبحانه، كان من موجبه أهليتهم أن يكونوا أهلا، لأن ينزل فيهم قرآن، يزكي بذلهم، وإنفاقهم، وتسابقهم، وتنافسهم في أوجه الخير جميعها حتى حازوها كلها، وحتى ظفروا بها جميعها، فأعلى بذلك شأنهم، وربح بذلكم بيعهم، وهو ما تزكو به نفوسنا أيضا بهم ومعهم، حين مطالعة أولية لحديث" أنَّ رجلًا قالَ : يا رسولَ اللَّهِ: إنَّ لفُلانٍ نَخلةً ، وأَنا أقيمُ حائطي بِها ، فأمرهُ أن يُعْطيَني حتَّى أقيمَ حائطي بِها ، فقالَ لَهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ: أعطِها إيَّاهُ بنخلةٍ في الجنَّةِ فأبى ، فأتاهُ أبو الدَّحداحِ فقالَ: بِعني نخلتَكَ بحائطي. ففعلَ ، فأتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ ، إنِّي قدِ ابتَعتُ النَّخلةَ بحائطي. قالَ: فاجعَلها لَهُ ، فقد أعطيتُكَها. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ: كَم مِن عذقٍ رَداحٍ لأبي الدَّحداحِ في الجنَّةِ قالَها مرارًا. قالَ: فأتى امرأتَهُ فقالَ: يا أمَّ الدَّحداحِ اخرُجي منَ الحائطِ ، فقد بعتُهُ بنخلةٍ في الجنَّةِ. فقالَت: ربحَ البيعُ. أو كلِمةً تشبِهُها "[10].
ولأنك أحرص أن تستزيد، ويكأنك أرغب أن تفيد، فقد آثرتك بشي آخر تقر به عينك، ويرضى به فؤادك، وأنت إذ تطلع على هكذا جيل فريد، قد كان شأنه أن يأكل أوراق الشجر، وأن أحدهم ليشق بردته ليتناصفها مع أخيه، آصرة في الله تعالى، بلغت حدا فوق الوصف وصفا، وبلغت شأوا فوق السمو رفعة ونبلا!
ولكنهم لما كان هذا هو نعتهم، وأن الله تعالى ليجازي عبدا كان هذا هو شأنه مع ربه عبدا صالحا قانتا، إلا أن يمكنه ليكون وزيرا، وإلا أن يسوده ليصبح أميرا، ولئن كان ليس شرطا، ولئن كان ليس عهدا، ولأن هذا ما أمكن أن يصل به إيمانهم، صبرا على بلوائهم، ولأن هذا كان دليلا على كيف كان عمل الإفتداء سببا إلى رضا ربهم بهم.
ودلك على صدق قولي ما رواه خالد بن عمير العدوي قال" خَطَبَنَا عُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإنَّ الدُّنْيَا قدْ آذَنَتْ بصَرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ منها إلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإنَاءِ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا، وإنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ منها إلى دَارٍ لا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بخَيْرِ ما بحَضْرَتِكُمْ، فإنَّه قدْ ذُكِرَ لَنَا أنَّ الحَجَرَ يُلْقَى مِن شَفَةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا، لا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا، وَوَاللَّهِ لَتُمْلأنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ؟ وَلقَدْ ذُكِرَ لَنَا أنَّ ما بيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِن مَصَارِيعِ الجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهو كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ، وَلقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، ما لَنَا طَعَامٌ إلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ، حتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا، فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وبيْنَ سَعْدِ بنِ مَالِكٍ، فَاتَّزَرْتُ بنِصْفِهَا وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بنِصْفِهَا، فَما أَصْبَحَ اليومَ مِنَّا أَحَدٌ إلَّا أَصْبَحَ أَمِيرًا علَى مِصْرٍ مِنَ الأمْصَارِ، وإنِّي أَعُوذُ باللَّهِ أَنْ أَكُونَ في نَفْسِي عَظِيمًا، وَعِنْدَ اللهِ صَغِيرًا، وإنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إلَّا تَنَاسَخَتْ، حتَّى يَكونَ آخِرُ عَاقِبَتِهَا مُلْكًا، فَسَتَخْبُرُونَ وَتُجَرِّبُونَ الأُمَرَاءَ بَعْدَنَا"[11].
ولأن هذا كلام ليس يبلغ بليغ به بيانه أن يبينه! ولأن هذا ما لم تبلغه طاقتي إفصاحا لمعناه، ولا أن تحيطه أقلامي - لا قلما واحدا ! - سردا لفحواه، ولأنني أعجز عن مثله، أو قريبا منه، فإنني أكتفي إحالة إلى نص رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يكفيه شرحا، وحسبي أنا نظرا واعتبارا! وذلكم حين جاء " عن عبد الله بن عمر، قال: قدم رجلان من المشْرق فخطبا فعجب النَّاس لبَيَانِهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من الـبَيَان لسِحْرًا، أو: إنَّ بعْضَ الـبَيَان لسِحْرٌ) [12 ].
ولأن ذلكم صنف فريد، تفرد ما ذكر التاريخ عنهم، ولولا أنه تاريخ مٌوَثَّقٌ، ومُعَدَّلٌ، ومٌجَرَّحٌ، حتى وصلتنا أخباره، وهكذا قد جاءتنا أنباؤه، جلية غير خفية، ناصعة لا مشوبة، أقول: إنه لولا ذلكم التوثيق، الحامل على التصديق، لقيل أمام هؤلاء الأفذاذ أقوال، ولأننا بما حكي لنا عنهم، ولأننا بما وصلنا عنهم، لمنبهرون من هكذا صنيع صنعوه، ومن هكذا تاريخ دمث سطروه، وبما تخلَّد لنا عنهم خبرا وذكرا، وبما قد ورثناه عنهم خلقا وفكرا!
وإذ إني أرومك، وأنت إذ ترمق، مطالعة أخرى، لخبر هذا الجيل، وهو إذ تراه يسَّابق، إلى أوجه الخير، باذلا، ليس يخاف فقرا، إذ وكيف يخافه؟! وهو خلق من خلقه تعالى، حري به إن قيل له: إياك وطريق أولاء الأخيار فاجنُبْ! وحذار سبيل أولاء الأصحاب الأبرار فلا تقرب! لبعد ولكان منه المهرب! ولم يقعد لهم طريقا! ولم يدرك لهم سبيلا! ف "عن عمرَ بنَ الخطَّابِ قال : أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يومًا أن نتصدَّقَ ، فوافقَ ذلِكَ مالًا عندي ، فقلتُ : اليومَ أسبِقُ أبا بَكْرٍ إن سبقتُهُ يومًا ، فَجِئْتُ بنصفِ مالي ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : ما أبقيتَ لأَهْلِكَ ؟ ، قلتُ : مثلَهُ ، قالَ : وأتى أبو بَكْرٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ بِكُلِّ ما عندَهُ ، فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ ؟ قالَ: أبقَيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ ، قلتُ: لا أسابقُكَ إلى شيءٍ أبدًا"[13]. ويكأن ذلك ليقف بك، إلى حيث وقف بي، من ذكر سبب ذكرهم، وإطرائهم، ومدحهم، والإشادة بهم. من إيمان فائق، ومن يقين صادق، أَطَرَاهُم على البذل والإنفاق، وأسلماهم إلى الإيثار والإغداق! لكنه بفارق أنه: طيبة بها نفوسهم، راضية عنه قلوبهم، وأفئدتهم!
وثمة قول حسن، أو هكذا أراه حسنا؛ ذلك أن القوم لم يكن لهم ليحوزوا بذلكم الفضل كله، وذلك أن الأصحاب لم يكن ليفوزوا بهذا الخير جله، وبهذا الطراز التي يعجز قلم عن وصفه، والتي يبهر بيان عن رسمه ونعته، إلا لسبب ما وقر في صدور هؤلاء الجبال الشم الرواسخ من إيمان فائق، ومن يقين صادق، ومرة أخرى! أَطَرَاهُم على البذل والإنفاق، وأسلماهم إلى الإيثار والإغداق!، ومرة أخرى أيضا! وأيضا!
ذلكم الإيمان الذي قال الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه فيه ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَئَازَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 29]. وهو ذلكم الأمر الناصع في بياضه، فكان البياض أمام نصاعته قسطا في الجمال قليلا!
ولأن أولاء قوم حملوا بين النقيض ونقيضه، ولأنها ملكة يعوزها رصيد هائل من التحول الدقيق من خلق الرحماء، إلى خلق آخر معكوسا عنه بدرجات كان جمعها ثلاثمائة وستين درجة كاملة! ليكون من شأنهم خلق آخر! وهم أولاء الأشداء! إلا أنه ليهون عليك تصوره، حين تعلم أنهم بينهم رحماء! ولكنهم أشداء على أعداء الله وعباده الحنفاء!
ويكأن صلاح أمر العباد ليس يكون إلا حين قد تسابقوا في ميدان العبودية لله تعالى ربهم الحق، مؤمنين، عاملين، بمقتضى إيمانهم ذلك عملا أسماه الله تعالى عملا صالحا! إذ وليس يكون عمل صالح، إلا إذا كان على وفق مراده تعالى، ولم يكن لنفس أحدنا فيه من شيء، ولو قيد شعرة واحدة، وذلك لأن الله تعالى﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[الأنعام:162]. في قول فصل أن (صَلَاتِي) كلها، وأن(نُسُكِي)كله وأن (مَحْيَايَ) كله، وان (مَمَاتِي) كله، وجب كون ذلكم كله لا أبعاضه! ﴿لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، وهو قول ندي كريم، ألَّا تتبقى لنفس أحدنا، ولو من مثقال ذرة أو أقل منها من هوى، ولو من مقدارها أو أقل منها من شرك، يكون من سببه أن العمل كله حابط، ويكون من موجبه أن النصب والجهاد والصيام والجود والعلم وما سواها ليس يكون مقبولا إلا حين يكون كله لله!
ودلك عليه حديث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو إذ ترتعد الفرائص حين مطالعته ؛خوفا ووجلا "إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ"[14].
ويوم يتحقق في العبيد ما هو سبب فلاحهم وصلاحهم من إخلاص القياد لله تعالى ربهم الحق، وفي موازاته لذلكم الخلق الحميد، وليكون لهم زادا نحو التآلف، ويكون لهم رصيدا، نحو انجذاب القلوب إليهم قبل تحديق الأبصار، بل أن يكونوا هم كذلك أمة واحدة، وعلى قلب رجل واحد، كما هو الشأن فيهم، عبادا مؤمنين، بل لاغرابة إذا قلنا إن واحدا من هذا الطراز النبيل لهو بألف رجل! وهكذا الشأن فيهم عبادا صادقين أيضا! فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال "لصوت القعقاع بن عمرو في الجيش خير من ألف رجل "[15].
أقول: إنه ههنا وههنا فقط يكون موجب الفوز قد حل وقته وزمانه، وههنا وههنا فقط يكون زمن الخذلان والانهزام قد أفل نجمه وأوانه!
وانظر مرة أخرى ثم ارجع البصر كرة واحدة، أو كرتين، أو ثلاث كرات معا! لتعلم ما حكاه ربك الرحمن سبحانه من فوق عرشه الكريم، وهو إذ يقول لي ولك ولأغيار آخرين ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]. لتدرك أنهم هكذا قد منَّ الله تعالى بتميزهم، بذلكم الإيمان، الذي ساقهم إلى ما أكسبهم حبا، وهو ذاك الإيمان الذي أنفحهم إيثارا، وهو ذلكم الإيمان الذي منحهم عطاء، بلا حساب لهنة من فقر، أو لحدث من جائحة أو حاجة، وهو ذلكم الإيمان الذي طهر قلوبهم من شح، فكانوا به ممهورين بذلكم الوصف الرباني الكريم الذي أسداه إليهم ربهم الرحمن حين قال﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
لتعلم مدى تبعة كم هي ملقاة على عاتقك، ولتدرك كم هي أعباؤك على الحقيقة، وأنت سائر في طريقك إلى الله تعالى مولاك الحق المبين سبحانه.
[1][ صحيح أبي داود، الألباني، الصفحة أو الرقم: 4798].
[2][التسارع الإيجابي: أي أن السرعة تزداد السرعة مع الزمن].
[3][ التسارع السلبي: أي انخفاض السرعة مع الزمن].
[4][شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، ابن هشام الأنصاري : 1 /264].وهذه الأبيات مشهور أنها لأبي الأسود الدؤولي.
[5][صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 7288 ].
[6][ صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6460].
[7][صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3606].
[8][صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2322].
[9][صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 6011].
[10][ الصحيح المسند، الوادعي، الصفحة أو الرقم: 26].
[11][ صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم:2967].
[12][ رواه البخاري (5767)].
[13][ صحيح أبي داود، الألباني: الصفحة أو الرقم: 1678].
[14][ صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1905].
[15][ أسد الغابة، ابن الأثير:4/390].