قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى(حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا ، وَقَالَ سَعِيدٌ : أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا ، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } قَالَ : جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } قَالَ : فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ) [ صحيح البخاري، بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: 5].
وفيه شفقة الرسول وخوفه أن يتفلت القرآن من صدره! وهو أمر طبيعي في حق نبي! يخشى فوات أمر قد كلفه ومنه نفيد عضا على منهج واستمساكا بطريق!
لكن الله تعالى ولأنه حافظ كتابه قد أودع في فؤاد رسوله ما به يطمئن قلبه ألا خوف على الكتاب، وإنْ عليه إلا اتباع ما ينزل منه إليه، وإن عليه إلا البلاغ، وبالتالي فإنه سبحانه قد تكفل بجمع القرآن العظيم، وهو بيان آخر لإثبات أن القرآن الذي بين أيدينا إن هو إلا كتاب ربنا خاليا مما يعتري غيره من تغيير أو تبديل لكلمات الله تعالى. كما قال سبحانه﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9].
{ إن علينا جمعه وقرآنه} إن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرأه فإذا أقرأناه فاتبع قرآنه قال أنزلناه فاستمع له إن علينا أن نبينه بلسانك.
قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا أُنزِلَ علَيهِ القرآنُ يحرِّكُ بِهِ لسانَهُ يريدُ أن يحفَظَهُ فأنزلَ اللَّهُ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ قالَ فَكانَ يحرِّكُ بِهِ شفتيهِ وحرَّكَ سفيانُ به شفتيهِ [صحيح الترمذي : الألباني، وقال: صحيح ].
وهو إشعار آخر يبين منه حرص الرسول على حفظ ما يتنزل عليه من أمر ربه ومنه نفيد أيضا فضيلة حفظ القرآن المجيد وفضيلة العمل به كتابا أنزل أجل سعادة الناس به يوم أن يكون هو الحكم بينهم فيما ينزل بهم من أحداث لا مجرد تلاوات به في المحافل والناس عنه كأبعد ما بين المشرقين!
{ إن علينا جمعه} في صدرك وإثبات قراءته في لسانك قال الزمخشري { فإذا قرأناه} جعل قراءة جبريل قراءته والقرآن القراءة { فاتبع قرآنه} فكن معقبا له فيه ولا تراسله وطأ من نفسك أنه لا يبقى غير محفوظ فنحن في ضمان تحفيظه { ثم إن علينا بيانه} إذا أشكل عليك شيء من معانيه كأنه كان يعجل في الحفظ والسؤال عن المعنى جميعا كما ترى بعض الحراص على العلم ونحوه { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} [عمدة القاري].
وقرآنه أي تقرأه ومنه يكون المراد بالقرآن القراءة لا الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، أي أنه مصدر لا علم للكتاب .
واتباع القرآن أي استماعه والعمل به. فاستماعه باستجماع كلية القلب عليه قصدا تدبرا، لا كسماع يكون معه الذهن خاليا!
ومنه نفيد أدب تلاوته، وحسن الاستعداد عند قراءته!
ونفيد انتظار طالب العلم ريثما ينتهي شيخه، ومن ثم يكون سؤاله، وبعدها يكون استفساره، فيما أشكل، فلعل قطع كلامه يكون سببا في تصرم أفكاره، مما نتج عن انشغاله!
فاستماع طالب العلم وانصاته فوق أنه أدب لازم من لوازم أداب طلب العلم، إلا أنه كذلكم يشي بتوقير العلم والعلماء، كما أنه ضامن بإفراز أمة على منهج الاتباع، كيما يكون لها البراءة من الابتداع، وهو تأهيل لها لذلكم حظ ليتكون به أوفر نصيبا!
وقوله: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأَهُ.
ونفيد منه أدبا للمسلم بالطاعة والانقياد وعدم المجادلة بالعناد، ومن ثم يدرك المرء كيف يمكن له بعد ذلك أن يكون قارئا كما قرئ عليه كيما ينتج أثرا حميدا بإنشاء أمة قوامها حسن الإنصات وحسن المتابعة الناتج عنه!
وذلكم أمر غاية في الأهمية فبلية قوم أنهم لا يستمعون، ومنه كان من إثمهم أنهم لا يتبعون.
فالعلاقة قائمة بين حسن الإنصات وحسن العمل!