ونظر أولي أمام ذلكم النظم الرباني المجيد، والأداء القرآني الفريد، وهو إذ يربط علاقة خاطفة أيضا بين حدث الإفاقة الذي طرأ على نبي الله موسى عليه السلام وبين حدث قوله(سبحانك) برباط دل عليه(فاء العاقبة) التي تشحذ ما لديك من قوى تصويرية لتكون لديك هالة ضخمة من الأداء القرآني البليغ في التصوير، وفي زمن يكاد ألا يكون زمن من أساس! وإنه لأمر بليغ حين نستحضر ضرورة التسبيح لله تعالى حين رؤيتنا لأمر خارج عن العادة، ومخترقا لنواميس الكون التي أدركناها من حولنا، دلالة أخرى على أن هذا الكون حتما له صانع، وحتما له مدبر لما صنع، لأنه قد خلقه ب(كن)، كما أنه يمكن أن يسلبه خصائصه وميزاته بقول(كن) أيضا!

بيد أنه حسن القول إنه وإن كانت فاء العاقبة قد جاء مدلولها صراحة، لبيان ذلكم التعقيب اللازمني - إن جاز التعبير - بين حدث الإفاقة وبين قوله سبحانك، إلا أنه ليس يمكننا فصله كذلكم عن الأداء المجيد للتعبير الذي كان به ذلكم المدلول المتكامل المتآلف من صعق تبعته إفاقة تعقبه قوله﴿ سُبْحَانَكَ ﴾!

والإفاقة: رجوع الإدراك بعد زواله بغشْي، أو نوم، أو سُكر، أو تخبط جنون .

وقد جاء قوله تعالى ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾، على لسان نبيه موسى عليه بالمصدر عوضاً عن الفعل (أسبح) ، إنشاء لثناء مستمر، أي مرة بعد مرةٍ على الله تعالى، وتنزيها له عما لا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ،وذلكم هو الشأن في العباد فضلا عن رسل رب العباد تسبيحا لربهم وتنزيها لبارئهم، ثم إنه قد جاء ههنا لمناسبة سؤال قد تبين له بعد مآله، وقد ظهر له من إثره حاله  حين بدر منه دون استئذانه، وتحقق إمكانه.

بيد أن وقفة بديعة ليتجلى ذلكم المعنى المختار للتسبيح دون غيره من كلمات الذكر، وعبارات الثناء على الرب الرحمن الرحيم الكريم! ذلكم الذي أُلْهِمَهُ نبي الله موسى عليه السلام! ليدلك على أهميته في منظومة التنزيه القائمة في أوتار عبد موحد قانت متضلع بالإيمان والهدى والرشاد والتقوى الصلاح والفلاح، حتى كان من توارد طرأ على فؤاده أن يقول﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ - وفقط﴿ سُبْحَانَكَ ﴾-! هكذا بسليقة عجيبة، دلك عليها ألا تخطيط مسبقا كان لها، بدليل أنه كان بعد صعق كان فقد عنده كل اختيار!