أنام , أنام كثيرا , كمن قضي عمره كله يركض وأخيرا سمحوا له بالاستراحة , فالواقع لا يبعث علي السرور , وأحلامي وقف التنفيذ , ولا أحد يراني , الكل يمضي بحياته ويعيش وأنا علي الهامش , دائما ما كنت , كأنني غير مرئيه , لم يتوقف أحد ليسألني عن حالي منذ زمن .
أنظر بداخل عيون من حولي لأبحث لي عن مكان , فالقلوب لم يسعني مكانها , ينظروا الي ولسان حالهم ينطق بالشفقة , أأخبركم سرا أنا لا أحتمل الشفقة , فلا تشفقوا علي بل أحبوني , لطالما عشت أغلب عمري أنتظر سماع كلمة آسف , فلقد أخطأ الجميع بحقي ومازالوا يفعلون , كنت أعتقد أن كلمة آسف لها قدرة سحرية علي الشفاء , فور سماعها ستخف جراحي ولن يبقي لها أثر وسأعود جميلة من جديد .
لكني نضجت وذهبت عني سذاجة الطفولة البريئة , اكتشفت أن كلمة آسف التي انتظرتها طوال عمري ولم أسمعها لم تكن تستحق هذا الانتظار وأن الوقت الذي أضعته في التفكير في لحظة الندم وكيف سأسترد حقي , كان الأحرى بي التفكير بنفسي أفضل , فكلمة آسف ليس لها قيمة حينما تقال بعد فوات الأوان وفي مواضع أكبر من كلمة أسف , فكلمة آسف تعد مناسبة إذا أخطأت بغير قصد في حقك وأحسست بالندم واعتذرت في الوقت المناسب , إذا كنت لا أقصد الجرح او الإساءة , إذا دهست علي قدمك بالخطأ في شارع مزدحم , لكن آسف لا تصلح حينما تخذلني وتتخلي عني في وقت حاجتي , حينما تمر الأشياء ثقيلة علي قلبي ولا تسألني كيف حالك , حينما أحتاج لحبك وتعطيه للجميع وتبخل به علي , عندما لا تراني وأنا أمامك , وبينما أكون جميلة ونظراتك تجعلني أصدق أنني قبيحة , حينما أبحث عن الحب في المكان الذي كان من المفترض ان يحبني دائما وبلا شروط , حينما يهدم منزلي , ويسرق الآخرون أحلامي , حينما لا يوجد ما أطلق عليه لفظ وطن .
لسان حالي كان يقول أين أنت عندما أثقلت علي قلبي الأيام , أنا لم أطلب الكثير أبدا ولم أنتظر سوي القليل القليل جدا من الحب , اليوم أنا أعي جيدا للكثير , كلمة آسف لم تعد في قوائم انتظاري , ولا حتي أفكر بعدالة السماء لمن أخطأوا في حقي , فما حدث حدث وانتهي , والنتيجة واقع محتوم , فبيتي أصبح مكان مخيف , وأماني فقدت معظمه , ووطني لم يعد يحبني , وغدي مجهول الملامح , فالبكاء علي اللبن المسكوب , لم يكن سوي بكاء علي أحزان تأكل داخلنا وكان وقوع اللبن هو الحجة , حتي لا يتعجب الناس عن بكائنا بلا سبب , فرأينا أن وقوع اللبن ربما يعد مقبولا , وبكينا بكينا عيوننا فقلوبنا مليئة بالكثير .
يا أيها العالم أنا لا يعنيني ما يحدث , فأنا يحدث لي الكثير ومن الجيد أنني أستطيع احتمالي حتي الآن , لا أطلب الأسف ولا الندم , بل أطلب الهدوء والراحة , فالسلام ليس فقط لليمن وفلسطين والعراق وكشمير وسوريا , السلام حق للجميع فرادي أو جماعات , أمم وشعوب .
كيف يقاوم من يعيش في بلاد الحرب كل هذا , حروبه الداخلية وحروب العالم من حوله ؟ , كيف لا نجد من نبكي علي كتفيه ويبكي هو الآخر , كيف أن حتي رفاهية البكاء ليست مسموحة للجميع ؟ ! ياله من عالم نعيش فيه يعبث بأجمل ما فينا , كيف نشيخ ونحن قد بدأنا لتونا طريق الحياة والأمل .