في مسألة الغنائم يوم بدر
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: لم تحل الغنائم لأحد سود الرؤوسِ من قبلِكم ، كانت تجمع وتنزِل نار من السماءِ فتأْكلها[الجامع الصغير،السيوطي:7338] : صحيح.
وهذه بلاغة نبوية، ولأنه كناية عن الإنسان، وحذف الإنسان، وأتى بصفة من صفاته، وهي سواد الرأس!
والحكم للغالب من أمر الناس، إذ غلب فيهم سواد شعر الرأس. وأن أمتنا شبيبة لاشيبة، وأن النادر لا حكم له.
وهذا بيان فضل الإسلام، على ما سواه، سماويا كان أو أرضيا. وفيه استنهاض قيم الإسلام فتهفو إليه الأفئدة.
وجاء حل المغانم بنص القرآن المجيد، وبنص حديث نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا باب واسع سعة ديننا، وبحبوحة عيش كريم.
والغنائم: فاعل: فأسند فعل حلها إليها، وهذا محال! فالحل منه تعالى حقيقةً، فكان اهتماما وتقريرا لشأنها.
وأسند فعل الحل إلى الغنائم، وهذا خلاف الأصل، إذ لا يسند لغير عاقل فعل أو قول، فكان استدعاء مُحِلٍ حقيقةً، فكان هو الله تعالى!
وهذا خبر، أفاد حل الغنائم. وفيه جواز استنباط الأحكام من خبر صحيح، وهذا تقعيد لأصل جاء إثراء لديننا.
وهو إيجاز نبوي كريم، وبيان محمدي فصيح، لأن تقديره: لم يحل الله الغنائم لأحد من البشر غير المسلمين.
وهو بيان حل الغنائم سنةً، وقوله تعالى﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 69]. وهذا بيان حلها قرآنا كريما.
وقوله تعالى﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
هذا أمر منه تعالى، والأمر مقتض وجوبا، فوريا لا تراخيا، وحينما توافر سببه، وهو وجود الغنائم بحالها ووصفها حلالا طيبا.
وهذه بلاغة قرآنية، ومن حيث إن الغنائم لاتؤكل كلها، فكانت على المآل وحين تباع ليشترى من ثمنها ما يؤكل.
وهذا إعجار بياني قرآني، لأنه جاء الأمر بأكلها، دلالة حلها، ولأنه تعالى ليس يأمر بأكل إلا ما كان حلالا، وجاءت(حلالا)حالا، أفاد حلا آخر، فصار حلا مركبا!
﴿ فَكُلُو ﴾: هذا خطاب للمؤمنين لا غيرهم فقد اختصوا بحل غنائم كانت حراما على غيرهم.
﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ ... وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾: جاء الخطاب للمؤمنين تكريما؛ لأنه تعالى عادة يخصهم بندائه وخطابه، وذلك دلالة قربهم وتقريبهم لاغيرهم.
﴿ مِمَّا غَنِمْتُمْ ﴾: أي كلوا منه بعضه لا كله! ولأنه﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنفال:41]. تكافلا مجتمعيا.
وجاء وصف الحال(حلالا)،أنه طيب، دلالة طيب الحلال منطوقا، ودلالة خبث الحرام مفهوما.
وجاء الأمر بالتقوى ديانة، ولأن نفسا قد يمتطيها طمعها، فتتعدى، فكان خطاما لها!
وجاء الأمر بالتقوى مقدما على ما بعده اهتماما، ألا تعمد نفس إلى تواكلها، فتأمن معه هلاكها.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾: هذا تقديم ما حقه التأخير، بلاغة قرآن، بتقرير شأن التقوى وعظمها.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾: جاء الأمر بالتقوى، لأن النفوس ممهورة على التساهل، فكان أمرا لها بالتقوى، تذكيرا لها بربها ألا تتعدى.
﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾: وهذا تأخير ماحقه التقديم، لأن النفوس ممهورة على حسن ظنها بربها، عكس تقوى حاملة على فعل، أو داعية إلى قول، أو موجبة لقول أو فعل.
﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾: غفور: لذنوب أهل الإيمان من عباده، (رحيم) بهم، أن يعاقبهم بعد توبتهم منها[جامع البيان، ابن جرير الطبري: ج /٦٣]. فدل على وجوب التوبة، لنيل مغفرته تعالى، والفوز برحمته سبحانه.
وإن هذه لآية باهرة، تأخذ الألباب أخذا! ولأنها أشاعت معاني التفاؤل، ومن خلال ما خيم عليها من ألفاظ موحية به، ومن مثل: حلالا، طيبا، واتقوا، غفور، رحيم!