اختبار التخصص الجامعي باستخدام نموذج ASC

أحمد بابكر حمدان

معلم سوداني مختص في تنمية الهوايات


يوفر نموذج ASC أسلوبا ذا مرونة كبيرة، يتيح للمستخدمين فرصا أكبر لاكتشاف قدراتهم وميولاتهم وتحديد احتياجاتهم المعرفية. وتساعد استمارة “ASC” في قراءة مجمل شخصيات المستخدمين، وتشخيص احتياجاتهم الأكثر إلحاحا؛ وذلك لاعتمادها على فكرة الهوايات و”الأنشطة الجارية” كمؤشر لاكتشاف مختلف القدرات والميول والاحتياجات. عند استخدامه للنموذج، يلاحظ المستخدم زيادة قدرته على اكتشاف ملامح ميولاته في جانب الأنشطة المعرفية، لينتقل من بعد- من مجرد الملاحظة إلى دائرة أكثر تحديدا، وذلك حين يربط بين قدراته واحتياجاته الدافعة نحو مختلف الأنشطة. أما المعلم فيمكنه ملاحظة الفروق الفردية بين مستخدمي النموذج بكل سهولة ويسر، وقراءة كل من القدرات والاحتياجات المعرفية، والاستدلال بكل منها على الأخرى، فضلا عن ملاحظة اتصالهما بالأنشطة الجارية للمستخدم.


يلاحظ المعلم أن بعض المستخدمين أكثر محدودية في تفاعلهم مع النموذج، ويتحرك بعضهم في دائرة مهنية (تقنية) شبه ثابتة، لا تتعداها أسئلتهم أو استفسارتهم، بينما يلاحظ آخرين أكثر تمردا على الأسئلة التقنية المحدودة، وأعلى رغبة في التواصل مع الأفكار. وما بين هؤلاء وأولئك يرسم المعلم منحنى “القدرات والاحتياجات” ومن ثم له أن يتوقع ما يمكن أن يحققه كل فريق من نجاحات عادية أو طفرات. بطبيعة الحال، ليس من مقاصد النموذج المفاضلة بين المستخدمين وترتيبهم، وإنما مساعدتهم في التعرف على ميولاتهم وقدراتهم واحتياجاتهم بشكل أفضل من ذي قبل.


إن النموذج أشبه بأداة لإعادة ضبط الإعدادات الشخصية للمستخدم، ومن ثم له تثبيت ما يشاء من برامج وتطبيقات مدعومة من نظامه، وداعمة لأهدافه المستقبلية. ويعمل “ASC” كأداة للغوص بعمق أبعد من مجرد تنظيم أنشطة المستخدم أو تكثيفها. إن الجانب المهم في النموذج قدرته على إعادة ضبط الإعدادات الشخصية إن جاز الوصف، واعني بها: الاهتمام بالأفكار الموجهة لأنشطة المستخدم واهتماماته، ومخاطبة احتياجاته، وتحديد ما إذا كانت معرفية أو غير معرفية. إن المفتاح الأهم في النموذج هو العمل على نقل المستخدم من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، والنأي عن تقديم وصفات تطويرية "جاهزة". إن الاحتياجات المعرفية للشخص، عادة ما تكون مؤشرا لملكاته وقدراته الذاتية، ويتطلب إشباع احتياجات كل شخص نوعا وكما مختلفا من الأنشطة.. ويمكننا تمثيل ذلك لاحقا بمنحنى الاحتياجات والأنشطة. ويعد ASC مساعدا جيدا للمعلم في قراءة أنشطة المستخدمين والتعرف على مؤشرات عامة حول قدراتهم واحتياجاتهم المعرفية، كل على حدة، ومن ثم العمل على مساعدة كل منهم، في رسم خارطته المعرفية، حسب احتياجاته وقدراته.


- اختيار التخصص الجامعي:

عادة ما تكون عمليات الانتقال من مرحلة إلى أخرى، معقدة وعسيرة، إذا كان التعامل معها جزئيا بوصفها "حدثا" لا أكثر. إن الانتقال بين المراحل والمستويات لن يكون بكل ما نراه من الصعوبة والعسر، إن استطعنا النظر إلى "الصورة الكاملة" وعملنا على وضع العناصر في إطار مترابط، بدلا من الاجتهاد في صناعة تقابل دائم بينها. ويأتي الحديث عن اختيار التخصص الجامعي، في نفس السياق، حيث تبذل جهود كبيرة في لحظة "الحدث" لمساعدة الطلاب في انتقال سهل من الثانوية إلى الجامعة، بتقديم نصائح وإرشادات وبرامج وتقنيات، تبدو جيدة وإن كانت في توقيت غير جيد. إن التعامل مع موضوع اختيار "اختيار التخصص"، كحدث مستقل يتطلب حلولا عاجلة، ليس غريبا في سلوكنا الاجتماعي؛ فإننا نتعامل بنفس الطريقة والأسلوب في معظم تفاعلاتنا الاجتماعية. في هذه المقالة محاولة للنظر إلى "اختيار التخصص" ضمن دائرة أوسع، ودعوة للاهتمام بها في وقت أبكر، واقتراح أداة حديثة نسبيا من شأنها مساعدة الطالب في اكتشاف الخيوط الواصلة بين أنشطته الجارية، وما يناسبه من أعمال مهنية في المستقبل، ومن ثم ما تتطلبه تلك الأعمال من تخصصات جامعية.


وترجعُ عامة الصعوباتُ التي تواجه الطالبَ عند اختيار التخصص الجامعي، إلى سببين:

1- ضعف الأنشطة المعززة لهوايات وميول الطلاب في المدارس الثانوية على وجه الخصوص، والتي يفترضُ اهتمامها ببناء روابطَ جيدةً بين أنشطةِ الطالب وطموحاته المهنية، ووضع رؤيةٍ واضحةٍ تدعم هذا الاتجاه.  

2- ما يحصل من تجاذب داخل الأسرة عند اختيار التخصص، كمظهر للفجوةِ النفسيةِ الكبيرةِ ومؤشرٌ لضعف التواصل المعرفي بين الآباء وأبنائهم. وعادة ما يتم اختيار التخصص دون استشارة الابن، ودون مراعاة رغباته وميوله وقدراته؛ مما يؤدي عادة إلى التعثر الدراسي، ومن ثم الفشل، أو التحطم والإحباط، وحرمان المجتمع من مبدعين يعشقون مجالاتهم الدراسية والمهنية فيما بعد.


من المهم أن يبدأ تعرف الأسرة على اهتماماتِ الابن وميولاته الدراسيةِ والمهنية منذ وقتٍ مبكر، وذلك عن طريق الملاحظة في المقام الأول، أو باستخدام بعضِ النماذج التربوية ذاتِ الصلة، مثل نموذج السيرة الذاتية للطالب ASC، وأن تعملَ الأسرة على رعاية هواياتِ الابن وتنميتها وتوجيهها؛ لتصبحَ رغباتٍ واعيةً وناضجةً، وذاتَ صلاتٍ حقيقيةٍ بواقعه الاجتماعي، وبفرصِ العمل المتوفرة.  وتعد السيرة الذاتية للطالب student cv اداة مهمة لمتابعة نموه الشخصي في الجوانب المضمنة في  الاستمارة.


- اختيار التخصص أم اختيار المجال المهني؟

إن طلابنا في المرحلة الثانوية، بحاجة إلى من يمنحهم رؤية أبعد مدى من مجرد (التخصص الجامعي)، ويمنحهم فرصة للتعرف على (المجالات المهنية) قبل اختيار التخصص. في استخدامنا لنموذج ASC نعمل على توجيه الطالب إلى التركيز على المجالات المهنية الملائمة لميولاته، ومن ثم اختباره في تحديد أي التخصصات أكثر صلة بها.


إن الدراسة الجامعية الاولى، ليست سوى إبحار عام في مجال مهني واسع، وتمليك لمفاتيح العلوم الأساسية في المجال المعني، مما يتطلب منح الطالب إتاحات اكبر في المراحل الدراسية والمعرفية التالية. وحسب تجربتنا في حقل التعليم فإن حاجة طالب الثانوية لرؤية وفكرة، أكثر من حاجته لتوجيه وإرشاد. في جلسة تدريبية مع طلبة جامعيين خلال فترة كورونا الأولى، طرحت سؤالا عن العناوين الرئيسية للأنشطة المهنية في المجتمع، لتأتي الإجابات مفاجئة حتى لأصحابها؛ فقد اكتشف كثير منهم أن تخصصاتهم الدراسية فروع متكاملة في "مجال مهني واحد". فما هي هذه العناوين المهنية الكبيرة دون اعتبار للترتيب؟ كان ملخص جلسة الحوار أن أنشطتنا المهنية تتلخص في:

1- التجارة.

2- الصحة.

3- التعليم.

4- الانشاءات.

5- الصناعة.

6- الزراعة.

7- التوجيه.

8- الأمن.

9- القضاء

10- الترفيه

......


عندما يكتشف الطالب ملكاته وميولاته المعرفية والمهنية في وقت مبكر، ويتعرف على طبيعة المجالات المهنية نفسها في ذات التوقيت، فإن عملية اختيار التخصص الجامعي ستصبح إجرائية، ولا تعدو كونها خطوة لتحصيل معرفي منتظم في مجال مهني تم اختياره مسبقا، بناء على قدرات وملكات وميولات شخصية، من شأنها أن تقدم للمجال المعني هواة قادرين على العمل والإبداع والتطوير، لا سيما وقد أصبحت المؤسسات الناجحة أكثر ميلا للهواة والمبادرين وأصحاب الإنجازات الشخصية.

--------------------------