Image title

أنتِ التي أتذكّرك كلما أنسى نفسي.. كم أشتاق إليك!

عجلى تمرّين على الذاكرة.. فلا تتوقفين. تنفخين رماد القلب فيستحيل جمرًا.. يتوقّد، ثم تغادرين. أعرف أنني أتحمل لوحدي سبب فقدك.. لكنني لم أنسحب إلا بعدما وُضعت روحانا على كفتين، إن رجحت إحداهنّ، طاشت الأخرى.

قلتُ: الحبُّ قضية منطقية.. حدّاها أنا وأنت، وطرفها الأوسط قلبانا. قلتِ: الحبُّ قضية صوفية، حدّاها (نحن) وطرفها الأوسط جوهرٌ يحوي قلبينا. كم كان اختلافنا غريبا: أنا (الشيخ) الذي يحتج بالمنطق، وأنت (المتمردّة) التي سلكتِ مسلك المتصوفين. أكُنتِ تقتبسين من ابن عربي الأندلسي، أنت سليلةَ الأندلس، من حيثُ لا تدرين؟!

قُلتُ: في شريعة السماء.. لا عَتْب على المـُكره. قُلتِ: في شريعة القلوب.. المنسحب بدعوى الإكراه ليس عاشقا أصلاً.. هو مُجرّد ممثل لا يُتقن أداء دوره.

قُلتُ: ولكنّني أحببتك من أعماق قلبي. سألتِ: لـمَ لمْ أقرأ شواهد هذا الحُب على صفحات وجهك.. لو أحبَبْتَني ما تركتني.

قُلتُ: ما الذي كُنت تؤملينه.. أن أحتضن روحك وأستنشق أنفاسك؟ أن أنسى (أناي) وأحوم حولك.. أن أُفجّر ما بداخلي لتولد من شظاياي روحك؟

قُلتِ: ما الذي كُنت تؤمله؟ أن تُلهب دمي وتخطف أنفاسي وتسترقّ روحي.. ثم تجلس بعيدا حتى لا يُصيبك صدى انكساري؟

قُلتُ.. وقُلتِ.. فافترقنا ولكل منّا طقوسه في الحب.. لكننا اكتشفنا ذلك، كما في كل خيبة، بعد فوات الأوان..

يحتاج العاشقان – كما المُقبلان على الزواج – لعمل تحاليل تكشف توافق نَبْرَتَيْهِمَا العشقية.. وزمرتيهما الدموية.. لا حُبَّ بوجود الانفصام العشقي، ولا صَبابَةَ مع انقطاع النَّفَس العاطفي. ثمّة أشخاص لم يُخلقوا مؤهلين لحُبّ طويل الأمد، فيدخلون التجربة بتاريخ صلاحية لا يتجاوز الشهر أو الشهرين.

هكذا سيكون حديثنا لو قُدّر لنا أن نلتقي مرة أخرى أنا و(أناستاسيا).

تخلّيتُ عنها.. وتركتُها من غير وداع.

في غمرة الشوق الذي قادني إليها.. أدرتُ لها ظهري ولم أُجبها عن السؤال الذي حطّمها وساقها إلى الموت.

لطالما ترقبتْ اتصالي بها.. أو رسالةً تشرح سر اختفائي الغريب.. لكنّ بقايا كبريائها – المـُحطَّم – أبى أن يُبادرني بسؤالٍ.

ألهذا أشعر بالأسى اليوم كلما تذكّرتها: لأنها تلقّت طعناتي بوجه باسم ولم تصرخ من وقع الألم الصّادم؟

أُتراها صرختْ.. لكنّ صداها بقي حبيس صدرها فلم أُصغ إلى حزنها عند السقوط؟

أم أنني أتذكّر بسقوطها الصامت “سقوط غرناطة”.. تلك المدينة التي شهدت انكساري، بعدما انكسر فيها من قبلُ (أبو عبد الله الصغير)؟