لطالما أثبت الشعب الفلسطيني للعالم أجمع مدى قوته وجبروته في مجابهة ظلم الاحتلال على مر عقود مضت ولكن الحال لم يعد هو الحال.

لقد كان العام 2020 هو الأشد فتكا بالفلسطينيين منذ مطلعه حتى أفوله وهنت فيه عزيمة المواطن الفلسطيني من حجم الضربات التي انهالت على رأسه والتي كان أشدها وجعا وإيلاما تلك التي تلقاها من أبناء جلدته من جهة ، ومن حكام الدول العربية الشقيقة من جهة أخرى.

لقد بات الفلسطيني دمية يتحكم بها ثلة من الساسة الكهول الذين شاخوا على مقاعدهم حاملين الحربة في وجه كل من تسول له نفسه في الاقتراب، ومن جماعات صدعوا الرؤوس بخطاباتهم وشعاراتهم الرنانة لاستمالة شباب ضائع رغبة في تحقيق أهداف مبطنة.

معركة التحرر: حلم أم وهم؟

لقد جبل الشباب الفلسطيني منذ بزوغ فجر الثورة على حب المقاومة والكفاح ،وذلك تماما ما قامت عليه جميع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح التي اتخذت نهج المقاومة والنضال سبيلا للتحرير، وبفعلها سارع الفلسطينيون لحمل السلاح والانخراط في معركة حامية الوطيس مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.

بالرغم من تعدد الأحزاب والفصائل الفلسطينية على مدى العقود الماضية ، إلا أن أهدافها ومبادئها كانت واحدة لا تتجزأ على عكس ما أصبحت تعايشه الآن من انقسام وشرخ في جميع القضايا السياسية المتعلقة بمستقبل المواطن الفلسطيني .

فقد اختفت تلك المبادئ التي أسست عليها لتصبح في طي النسيان، ولم تعد تذكر إلا في المناسبات الوطنية والخطابات السياسية، فشباب الأمس الذين كانوا يمسكون بدفة القيادة قد هرموا وخارت قواهم اليوم وما زالوا يأبون أن يسلموا الشباب الحالي ولو جزءا بسيطا من سلطتهم التي يصنعون بها القرار الفلسطيني والتي من المفترض أن تصب في خانة المواطن الفلسطيني.

لقد أضحى الشباب الفلسطيني منهكا عقليا وجسديا حتى بلغ عمره الافتراضي ستين عاما وذلك تبعا للسياسات الجائرة التي فرضت من قبل الطرفين اللذين قسموا الكعكة فيما بينهم وتركوا شبابنا يتصارع على الفتات.

للأسف، فقد تضاءلت أحلام الفلسطيني ليتحول من إنسان ثائر يسعى نحو تحرير بلاده إلى إنسان أقسى مطالبه توفير لقمة عيش وحياة كريمة.

فبينما يمعن المستعمر في توسيع مستوطناته وتهويد القدس واعتقال الفلسطينيين وتدمير منازلهم، فإن الحركتان مستمرتان في المشاحنات فيما بينهم. فهذان الحزبان أصبحا عائقا و سدا أمام خوض معركة تحرر أكثر مما هي داعمة للانتفاضة الشبابية.

ولا يسعنا القول إلا أن معركة التحرر باتت حلم يتمناه الشباب، ووهم تتاجر به الفصائل.

المصالحة: أكذوبة متجددة

ثلاثة عشر عاما مضت على الانقسام تخللتها وعود زائفة بالمصالحة ولملمة شمل الفصيلين بما يخدم أبناء هذا الوطن المكلوم تبعها خيبات متتالية.

لقد تم إنتاج وبيع هذا الوهم مرات عديدة حتى أصبح مألوفا عند الشعب,، والعجيب أنه في كل مرة تأبى شريحة كبيرة من المواطنين إلا أن تصدق هذا الوهم كمحاولة للتشبث بأي بصيص أمل للخروج من تلك الأوضاع المزرية.

ولعل المحاولة الأخيرة للصلح كانت الأكثر قابلية للتصديق من بين أخواتها وخاصة أنها كانت الحل الوحيد للرد على سياسة ترمب المتعلقة بخدعة القرن.

وكالعادة بعد صولات وجولات رجعنا إلى نقطة الصفر من جديد، فلم تكن تلك الاجتماعات إلا محاولة لكسب الوقت لحين إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية.

لقد تراجع عباس وزمرته عن إكمال مسيرة المصالحة عقب فوز بايدن والذي تلاه  تصريح موظف إسرائيلي من الدرجة العاشرة عن إمكانية عودة المياه إلى مجاريها والتي وصفها اشتيه آنذاك بالانتصار مستهينا بعقول الكثير.

غباء السلطة قد تجاوز أشواطا ومراحلا لتوصل رسالة واضحة المعالم للكيان الصهيوني بضعف المفاوض الفلسطيني وقبوله بأدنى الشروط والتنازل عن مطالبه وحقوقه المفروضة في سبيل رجوع الأوضاع على ما كانت عليه سابقا.

لقد أبت السلطة إلا أن تكمل مسيرة أوسلو الفاشلة والتي ما زال الشعب الفلسطيني يدفع ثمنها حتى الآن.

(تريدون وطنا أم تريدون مالا؟) ، سؤال طرحه رئيس الحكومة على الشعب كمحاولة لتبرير عنجهيته السياسية في صنع القرار.

ولذلك يتحتم علينا إجابة تليق لسؤال كهذا.

نحن نريد وطنا ونريد مالا نريد الوطن الذي ساهمتهم في ضياعه عندما واصلتم الخوض في مفاوضات فاشلة مع الكيان المحتل وتطبيق بنود أوسلو التي لم يستجدي منها المواطن الفلسطيني إلا مزيدا من البؤس والمعاناة بينما أطلقتم العنان للعدو بتوسيع مستوطناته وتدمير المزيد من بيوت الفلسطينيين.

نريد الوطن الذي بات بالكاد يلتقط أنفاسه عندما أحكمتم الخناق عليه بالتنسيق الأمني وتقديم مد العون لجيش الاحتلال بينما يعتقل عشرات الأطفال والنساء والشيوخ والشباب يوميا بدون ردة فعل تستحق الذكر.

أما أموال الشعب فهي ليست منة عليه من أحد، هي حقه المسلوب من جماعة من اللصوص العجز الذي يصل راتب أحدهم إلى أن يستر أعدادا من الأسر المعوزة.

فلو قسمت الكعكة بشكل عادل لشبع الجميع وناموا ليلهم بأمان.

من لا يقدر على تلبية مصالح شعبه وحكمهم بالعدل، فالأجدر به أن يترك زمام الحكم لوجوه جديدة تحمل هم وطنها وأدرى بمعاناة الشعب وحريصة على مصالحه.

دور الشباب بالتغيير

من أكثر الأشياء إيلاما أن يتم استغلال الشباب من قبل الفصائل لتنفيذ أجندتها ومصالحها بينما يتم استبعاده تماما من ممارسة دوره في القيادة السياسية وحرمانه من عملية صنع القرار. لقد زج بالشباب المنتفض في مرمى نيران المواجهة اليومية مع الاحتلال بدون خطط مدروسة أو أهداف جوهرية قد تغير من واقعه وتلبي مطالبه، وبالتالي فالثمن كان إما التعرض للأسر ،أو خسارة حياته ، أو العيش معاقا متسولا حقوقا عادلة بحقه لأمد الحياة.

إضافة إلى أن الأحزاب بشخصياتها السياسية البارزة تستمر باستغلال الشباب  للهتاف والنفاق والتلميع والدخول في مناوشات وخلافات تعزز وتعمق من حدة الانقسام بين الأطراف المتشاحنة.

ولنكن منصفين يجب علينا ألا ننكر وجود تلك الفئة المثقفة والواعية من الشباب والحريصة على المطالبة بحقوقها ومحاسبة المسؤولين بالرغم من تعرضها لخطر الاعتقال والاستجواب والتعذيب.

فلا شك أن واقع الشعب الفلسطيني لن يتغير طالما استمر الشباب في نومه وغفلته، ولأن الشباب كان وما زال هو الوقود الذي يشعل فتيل الثورة ، يتحتم عليه أن يبدأ حالا في خوض مسيرة التغيير والاستعداد لتحمل الخسائر في سبيلها.

يجدر على الشباب الضغط المستمر على الفصائل الفلسطينية بشتى الوسائل للملمة الانقسام والوحدة الوطنية الشاملة التي لا رجوع عنها، وعقد انتخابات شرعية يقرر بها من هو مؤهل و أجدر لحكمه، واختيار وجوه شابة جديدة بفكر وأيديولوجية تحمل في طياتها التجدد والتغيير.

كما أن العودة إلى مسيرة التحرير يجب أن يكون وازع للشباب في جميع الأوقات، وعليه فإن التخطيط السليم ، والسير وفق استراتيجيات مدروسة ، والعمل الجماعي هي السبل الوحيدة لاستعادة الحرية من جديد. وبالطبع لن تستطيع الوقوف على قدميها بدون وحدة الصف الفلسطيني وأهدافه السياسية.

معركة التحرير هي مسيرة طويلة تستلزم مقاومة كاملة لا تقتصر فقط على الاشتباك، بل يجب أن تشمل جميع الأشكال والنواحي الاقتصادية والفكرية والإعلامية والخطابية.

فكما أسلفنا الذكر إن لم ندفع ثمن التغيير، فسوف ندفع ثمن عدم التغيير.