خ
خالد دومه

روائي وكاتب مقال

مدة القراءة: 3 دقائق

خطيئة

إنها لم تجد ذلك الحائط التي تستند إليه, حين تتفاقم على ظهرها متاعب الحياة, بحثت وجدت في البحث, لكنها كانت تعود بخيبة أمل كبيرة, كان جسدها هو ذلك الفخ الكبير, النار التي لا تنطفأ, الجحيم الموصد, كانت الذئاب تترقب في انقضاض لتشبع نهمها المتقد, إنه شعور الأسف حين يشعر الإنسان بأنه لا يتعدى أن يكون وجبة طعام, تلتهم على جوع, إذا ما كانت التخمة كان الزهد فيها, كانت تحاول أن تكون إنسان, أن ينظروا إليها على أنها تملك مع الجسد شعورا فياضا, إحساس يتألم, أن لها أيضا عاطفة تريد أن تشبعها في ظل رجل يراها من الداخل, كانت تتحسس الحب, ذلك النبض حين يحتويها, تفتش في بقاع النفوس, كي تجد شيء تحسه, إنهم لم يروا منها سوى ذلك الجسد, إنهم ظمأى إليه, إنهم يريدون إرتواء أجسداهم, أم أرواحهم كانت غائبة في ظل كثافة شهواتهم ورغائبهم, قاومت سنوات من الفتنة, علها تجد من يراها بجملتها من الباطن الغائر في أمسياتها وهي وحيدة, تمتلكها رغبة في تشويه ذلك الجسد الغض, يحجب أرواح الأخرين, كان البكاء لا ينقطع, والوحدة قاتلة تفزعها, لم تكن حصيلة الآثام التي أرتكبتها فيم بعد إلا بعد يأس, يأس عظيم أمتلك قلبها, التي أحتفظت به نقيا لسنوات طوال دون جدوى, وبلا فائدة, فعيون الرجال كانت قذائف تحرق كل معنى, وتهيل على روحها التراب, ليموت بين الحفر حديثها إلى نفسها بالأمل, والغد المشرق على مقربة, كلها أوهام تسربت إلى نفسها, لتصبح أشباح تفتك بها, رسخت السنوات في قلبها, أن الأمل مقطوع الجذور, متهالك غير موجود, وأن الأحلام كوابيس لن تتحق, قالت لها الأيام أن ماتتمناه لا سبيل إلى الوصول إليه, وأنها واهمة مخدوعة بالكلمات الجوفاء, التي تلقنها لنفسها المتعطشة, علمت أن الحياة ليست خيال, وأن الواقع شيء أخر, وإن ما يدور في رأسها خبل, أقسمت فيما بينها وبين نفسها أن تقتل كل أمل أن تفيق من غيبوبتها, وأن تسعر برغبات الرجال نارا لا تنطفأ أبدا, وكلما خفتت أوقدتها ثانية بأجسادهم, أن يكونوا لعبتها المفضلة وشقائهم المتواصل, أن تسلك ذلك الطريق الذي دنسته أقدام الحيوانات بروثهم, أن تهدم كل جدار, وتُنكس أعلامهم المرفوعة, أن تميط اللثام عن وجوهمم ليظهروا على حقيقتهم, بلا مساحيق, بلا ذقون, إنها لم تترك مدعي إلا عرته أمامها وأمام نفسه, وأوقفته عاريا أمام مرآة, تكشف له ذلك العور, قامت قيامتها لتحاسب نفسها والأخرين, لتحاسب الحياة على ما أرتكبته في حقها, على ما أغتالته من أيامها في البحث المتواصل عن طهارتها التي دنسوها, وبكارتها التي أنتهكوها, عن ما كالت لها الحياة, دون ذنب, دون إثم فلما أرتكبت أثامها عاقبتها, أقامت لها ميزان العدالة الغائب عنها, أيام كانت تتوخ العدل, عندما كانت تحرم الظلم على نفسها, ليكون الحلال والعدالة هي قيمها, إنها الأن عورة مكشوفة الساق, منتهكت الصدر, فهي تستحق اللعنة, يقولون إنها كفرت بالحياة وبالإنسان, وجزاء الكفر أن تلقى في جحيم, في قاع الجحيم, تتذكر حين كفر بها الناس, لم تنصفها الحياة, كانت مرجومة منها بأحجار النميمة والبغضاء, تقذف في وجهها, فهي ملعونة في كل حين, وعلى أي وضع ملعونة قبل أن تولد, وقبل أن تحيا على وجه الأرض نبذتها لأنها ليست ابنتها بل هي ابنة الخطيئة والإثم, ابنة السفاح, الليالي الحمراء في غرف مظلمة, تتلص وتسرق المتعة بعيدا عن عيون الرقيب, هزمتها الحياة وانتصرت عليها, وأماتت فيها الروح, ثم هي تحاسبها وتعلق لها المشانق, وتحفر في الأرض حفرا, لتضعها فيها وترجمها كي تتوب من كفرها, الذي أرغموها عليه, سقطت في بئرها, عفرت وجهها, ولوثت ردائها, وكسا الطين جسدها العاري, خرجت مغضوب عليها, تطاردها اللعنات, إنها ماتت منذ سنوات طوال, حين أرادت أن تحيا طاهرة الذيل, نقية الضمير, ماتت قبل أن تموت, فقدت الحياة حين كانت تبحث عنها تحت أشعة الشمس.

خ
خالد دومه

روائي وكاتب مقال

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات