استيقظت مبكرا قبل أن ترن الساعة الكئيبة قبل أن يقول الديك كلمته للصباح قبل أن ترفع الشمس رأسها

فتحت النافذة كنت أعتقد أن الحياة تنبت  في مكان ما قريب وبالإمكان رؤيتها من هنا 

رجل يقضمه التصلب اللويحي بخطى مثقلة يقطع الطريق بعزم ينضال لأجل الصف الأول

وقطط نائمة على أظهر السيارات غير آبهة بما ينتظرها من فزع صباحي

ولعلك لن تسأل عن الكلاب التي انتهى دورها وخفتت أصواتها

هذا ماتيسر لي رؤيته قبيل الفجر

حياة ضئيلة هادئة

الشياطين نائمة الساسة والخبراء الاستراتيجيون أصحاب العقارات ورواد الأعمال أيضا

لا أحد يستيقظ في الثلث الأخير من الليل سوى من لهم آمال معلقة

الفقير الذي يحاول دفع جوعه بركعة

ويتيم له بريد يومي قد أط من أحلامه

والذين يسكنون العراء وآخرين يسكنهم العراء 

الذين لم يسمح لهم حتى أن يلوحوا لرفاقهم تحايا الوداع 

بقت عيونهم يقظة وأكفهم متوثبة ينامون كما ينام الجندي في المعركة 

وأنا هناك في المسافة بيني وبين الرجل الذي ترتعد قدماه  وقد شارف على اللحاق بالصف الأول

واقفة على قدم مبتلة بالحنين بالذكريات وكثيرا من الوجع الشجاع

واقفة لأنقم على الأشياء من حولي  كل الأشياء بالتساوي .

ناقمة على  الشجرة إذ حاولت جر العصافير إلى حتفها.

ناقمة على النهر كيف وسعه أن يقامر بآخر سمكة على السنبوك إذ يمخر عباب البحر وملاحه غارق في كأسه ؟!

ناقمة على الباب موصد كفرح اليتامى، على الريح يوم استقالت غير آبهة بالأشرعة ، على  المطر نسي كيف يصافح الأرض .

على الأرض أدارت ظهرها للصدع تاركت إياه يكبر كخيبة الشعوب العربية .

على المنافي تقمصت دور الوطن .

على الوطن لبس ثوب المنافي .

على الشاعر حضر تارك خلفه القصيدة .

على القصيدة تخلت عن دورها التاريخي في الغواية .

على الحجارة تربصت بالمارة .

على المارة ابتلعت أعينهم قدمي الحافية

على قدميّ أفلتت الطرق عدا الطرق المفضية إليهم .

على الطرق أحاول جرها إليّ وتجد في أخذي إلى المفترق .

على المفترق إذ خلته نهاية وبات البداية .

على البدء محفوف بالأسئلة .

وعلى الأسئلة تترى كجيوش المسلمين في العصور الأولى .

على شكري على خبزه الحافي  على القبور  المنسية وعلى طنجاه وسيجارته على جوعه وجنونه  .

وعلى المدينة الضاجة غرقت بالعتمة بأنفاس المرتشين واللصوص والكهنة .

وعلى الحي إذ مل مزماره

والشارع حيث أطفأ مصباحه

وعلى الرسول أحرق تابوته إذ بدا له زيف أسفاره .

وعلى الأبجدية قاطبة يوم باتت عاجزة عن كتابة كلمة لغائب .

وعليهم إذ يستشرون  كالفقر في بلاد أفريقية ، إذ ينمون كأشجار الزيتون في القدس المحتلة ، متوغلون كجنود غاصبون ، شامخون كمستعمرة يهودية .

هكذا ! أزليون كالحياة الأخرى .

قلت لهم : كل شيء للنسيان حتى أنتم ، لكنهم ابتسموا ومضيت ومضوا فلا نسيت ولا نسوا .

اليوم  أمتلئ بالتناقضات المتوحشة كما يمتلئون بالغياب المر  يحضرون حين أقرر وأدهم وأرحل كلما قرروا العودة !

هل لي  بلحظة كتلك التي تنتاب نوستراداموس أنسف بها رباعيات الخيام وتكهنات ابن عربي ؟!

هل لي بلحظة عربدة كتلك التي تجتاح زوربا ؟!

أمخر بها الحياة ، أقبل كف الريح التي تحاول كسر السارية.

أقبل الموت الذي يجعل تعقيدات الحياة أبسط .

أقبل المسافة بيني وبينك .

أقبل الشرفة التي تستقبل وجعك .

أقبل بريدك الذي يشبه الموت مفاجئ وصادم ونهائيا .

هكذا بجنون أحيا وبجنون أموت ، لحظة وحسب .

ومن الغد أعيد هندمة الروح أعيدها نسختها الأولى ،

استدعي الرتابة  الغافية على عتبة الحياة لتتولى سدة الحكم

استدعي الحنين ليزاول صعلكته ، يمشط قلبي كمواطن عاطل عن العمل

  يذرع الأرض حامل وجده الأخضر .

أعود أعود - تحديدا - إلى النقطة التي سبقت هذه الكتابة

فقط لأمنح هذه اللحظة ولايهم ما الذي سيجري بعد ذلك .

   

                                              ٢٠٠٩