الأستاذ الدكتور عبد اللطيف بن دهيش أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة أم القرى
د. علي بانافع
عن طريق الصدفة وجدت إعلان اللقاء والحوار المباشر مع الأستاذ الدكتور عبد اللطيف بن عبد الله بن دهيش أستاذ الأجيال بحق؛ وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة أم القرى، وقد جرت العادة من الدكتور فهد بن عتيق المالكي أن يدعوني للمشاركة والاستماع لسلسلة "قصة نجاح" في لقاءاته المباشرة وحوارته الماتعة مع أساتذتنا الكبار؛ لكنه معذور بالإعداد والانشغال بالترتيب له، وللأسف الشديد لم يحالفني الحظ لاستماع القصة لا مباشرةً ولا مسجلةً، الذي تم يوم الأحد الماضي الموافق ١٤٤٢/٣/٢٢هـ.
فكان لزاماً عليَّ -وأنا أحد تلاميذه- أن اسجل انطباعي عن أستاذ الأجيال الأستاذ الدكتور عبد اللطيف بن دهيش، فهو من هو قامة وهامة علمية واجتماعية وإدارية كبيرة جدا ولو لقيته لقبّلت رأسه، أرأيت الصفيحة الفارغة -دكتور فهد- هو أنا تلك الصفيحة الفارغة، التي لو وَضَعتَ فيها حصاةً فحركتَها لطلع لها صوتٌ فطنطَنَتْ؛ فلو كانت مليئة بأي شيء لما طلَع لها صوت ولما سُمِع لها حِسّ، أما أستاذنا الدكتور عبد اللطيف بن دهيش من الشيوخ المُربين ومن الأساتذة المتمرسين الذين يُشار إليهم بالبنان، لا يَنفر عنه أحد ولا تُريد منه أن يصمت عندما يتحدّث فقوله كالجواهر في عقدها -حفظه الله- مليئة بأنوار الصدق والهُدى، وابتسامته لا تنقطع وهي صدقة، وكلامه الطيب لا يفتُرُ وهو صدقة، وأصولُه وفروعه وحواشيه أخلاق وتواضع، وما ديننا كلّه إلاّ أخلاق كما قال لنا من لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى: (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق) وتعلمون -دكتور فهد- لفظة (إنما) فهي أداة حصر، ولو لم تكن أنت كذلك لما كنت تلميذاً ثم زميلاً وقريناً وصديقاً له، فالله لا ينزع السر من أهله وأن يجعلنا ممن ينتفع بأستاذنا الدكتور عبد اللطيف وبعلمه.
لكني أُريد أن اتحدث عن ميزة ظاهرة للعيان لأستاذنا الدكتور عبد اللطيف ظاهرة لطلابه وزملائه ومحبيه، فكثيراً ما يسير بالتهدي كما يسير بالهداية، فالتهدي أشبه ما يكون بالإلهام في إدراكه الباطن والظاهر وفي ذكائه الخاطف من وميض يلمع ساعة الإلهام ويخبو سويعات السكينة، هذا التهدي الذي يتمتع به كحاسة سادسة لا يجعله يُبصر الحواجز والموانع وإنما هو المُبصر بالحوافز والدوافع والأمل والهدف، والهداية التي أعنيها إنما هي محصوله من الدين والتربية والعلم والمعرفة والتجارب ومحصوله فيها كبير للغاية فهو من أُسرة معروفة ذات دين وعلم وخُلق، فأستاذنا الدكتور عبد اللطيف متمرس دائماً ما يتوسَّمْ في طلابه الرقيّ العلمي والأخلاقي والمكان والمكانة، وكم يكون سعيداً حينما يرى طلابَه النجباءَ وقد نبغوا ومُنحوا أعلى الشهادات وتَسَنَّموا أعلى المناصب والمراتب، سعيدٌ هو أنّ ظنه وحدسه لم يخب وأن فراسته لم تذهب أدراج الرياح.
الحقيقية أننا بحاجة إلى أن نتعارف من جديد ونتواصل مع أستاذتنا الكبار، يعرِّف منا أو يتعرَّف كل منا على أستاذه، فلقد طال الأمد وتغيرت الأحوال والأفكار وترسخت التجارب، ولا يزال كثير منا يحتفظ بمواقف رائعة لأساتذتنا الكبار، وما تفعله دكتور فهد في سلسلة (قصة نجاح) هو توسيع للآفاق وبث للآمال وتقوية للروابط والاجتماع على المشتركات، تدعى إليه خبراء في التاريخ والفكر والدعوة والاقتصاد والقضاء والإعلام والصحافة والتنمية والتطوير وبقية التخصصات الإنسانية والاجتماعية، وفي قصة نجاح أستاذنا الدكتور عبد اللطيف بن دهيش عرض تجربته في فنه وفي ذلك خير كثير، فان مجرد اللقاء يقرب المسافات ويجدد المحبة في القلوب.
واتوجه بحديثي لأستاذي الدكتور عبد اللطيف فأقول: على قدر عطائك يفتقدك الآخرون، روعة الإنسان ليست بما يملك بل بما يمنح فالشمس كتلة من نار، لكنها أعطت الكون أجمل مالديها فلا غنى عنها، وأنتم كذلك مفاتيح الذهب تفتحون كل قلب بحسن كلامكم وروعة مشورتكم وكرم أخلاقكم؛ فالأخلاق هي الروح التي لا تموت بعد الرحيل أبدا، وما أجمل أن تسير بين الناس ويفوح منك عطر أخلاقك …