Image title
الأستاذ الدكتور يوسف بن علي رابع الثقفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة أم القرى

د. علي بانافع

     لقاء البارحة الخميس 25 / 11 / 1441هـ من سلسلة "قصة نجاح"، مع عميد أساتذة قسم التاريخ في جامعة أم القرى الأستاذ الدكتور يوسف بن علي رابع الثقفي، لقاء ثري جداً عظيم الفائدة، مزيج من العفوية والتلقائية والصراحة والخبرة مغلفة بتاج التواضع، وسبق لي قبل شهرين أن كتبت مقالاً بعنوان: "الزمن الجميل"، وقصة نجاح الأستاذ الدكتور يوسف الثقفي زمناً جميلاً بكل ما تعنيه الكلمة، بمعنى آخر إيقاع على أوتار الزمن، فقد جمع بين الدراسة العلمية الصارمة والتقويم المنهجي، وبين النقد التاريخي الرائق المتتبع لأحداث التاريخ، ليدلك على طرائق تشكلها، ومناحي تجليها، وبنية نظامها، وعوالم فضاءاتها الماتعة، صحيح أن المؤرِّخ الذي يتجول في صفحات الزمان والتاريخ يستمد دروساً لا تقل أهمية عن تلك التي يستمدها من التجول في أنحاء العالم، وبعبارة أخرى إن تجول المؤرِّخ في الزمان لا يقل نفعاً عن تجوله في المكان، كلاهما يمده بالمعلومات الضرورية لفهم طبيعة حركة التاريخ وتفسيره، ولقد حاول بعض المؤرِّخين الألمان بعد الحرب العالمية الثانية أن يحددوا موضوع علمهم في نطاق ضيق خاص به،  لا مساس له بمواضيع العلوم الأخرى وذلك لكي يتجنبوا اللوم الموجه إليهم من العلوم الأخرى؛ لكنهم لم يوفقوا في ذلك، وإني لأرجو أن نُوفق فيه لكي نتخلص من الورطات الكثيرة التي نقع فيها مع الأدباء والسياسيين والجغرافيين والإعلاميين حيناً بعد حين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

     أود أن أشير إلى اختراع عبقري قريب العهد، وهو "الفيسبوك" قدمه "مارك زوكربيرغ" الذي قال عنه ببساطة: "الآن تساوت الرؤوس!!" مشيراً إلى أنه بإمكان كل البشر تقريباً أن يدلوا بآرائهم أمام الآخرين بالحرف والصورة والصوت، بعدما كان ذلك حكراً على الكُتاب في وسائل الإعلام المختلفة، حقيقة تساوى الجميع في الفرص وفي الحق ولكن فيما عدا ذلك فليس الكل سواء، ليس الكل سواء لأن تلك هي سنة الله في خلقه وحكمته البالغة {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} و {لَيْسُوا سَوَاءً} وذلك أمر لا علاقة بالعدل الذي هو قيمة مطلقة.

   لقاء البارحة يؤكد ويدلل على أهمية تدريس التاريخ في المدارس والجامعات، بل  فيه رد صريح وواضح لأنصاف المتعلمين وعديمي الثقافة أدعياء العلم المطالبين بالاستغناء عن أقسام التاريخ بالجامعات العربية، قد أفهم مطالبات بتطوير دراسة التاريخ وتدريسه، فذلك حق مشروع ويجب الالتفات له وبقوة، ولكن وقف تدريسه وإغلاق أقسامه الأكاديمية فتلك دعوى جاهلية نرى نتائجها جلية فيما انتهت إليه أحوالنا على امتداد الأرض العربية، من افتقاد النخب الفكرية والسياسية الموجودة في طول البلاد العربية وعرضها للرؤية الاستراتيجية، لو درَس هؤلاء التاريخ لما كُنا يُقاتل بعضنا بعضاً ببأس شديد، ونخدم رُغماً عن أُنوفنا وعلى عكس كل النوايا والتصريحات والشعارات نخدم مصالح وخطط أعدائنا، لو دَرس هؤلاء تاريخ الحروب الصليبية بكل تفاصيلها المُشرقة والمُخزية، لو دَرس هؤلاء تاريخ الأندلس وخاصة في فترة ملوك الطوائف، ولو … ولو ... لأدركوا ببساطة أن إعطاء الأولوية لتصفية خلافاتنا الداخلية ليس له من نتيجة سوى أن نجد أنفسنا في خدمة أهداف أعداء أمتنا، لا أدري بأي وجه نتندر الآن أو نُدين مواقف أمراء في بلاد الشام تجاه التعاون مع الصليبيين، وتحالفات ملوك طوائف الأندلس مع الأسبان ضد منافسيهم وجيرانهم من ممالك المسلمين، كأننا أمة بلا ذاكرة وبلا تاريخ وبلا حكمة، بأسننا بيننا شديد بيننا فقط أما بأسنا تجاه أعدائنا فذلك أمر دوننا ودونه خرط القتاد، لذلك لو يُدرك أهل الجهل من أنصاف المتعلمين العديمي الثقافة أدعياء العلم، أهمية تدريس التاريخ في المدارس والجامعات لما رفعوا أصواتهم بإلغاء دراسة التاريخ وتدريسه.

    معظم معاركنا التاريخية هي للمحافظة على الوجود وليس للتجديد والتطوير والإبداع، عندما شعرنا في سنة 2011 أن السفينة بدأت تغرق، بدأنا نتخفف شيئاً فشيئاً حتى تبقى مُبحرة، ثم خرجت بعض الدول العربية كلياً من السفينة، حتى تستمر في الإبحار، وقلنا إن الحاضر أولى من الماضي، ‎فالتاريخ يعلمنا أن الدول تأسست من أجل أن تُضحي من أجل الأوطان، ولم تُوجد الدول من أجل أن تُضحي بالأوطان، ‎ما تعلمته من قصة نجاح الأستاذ الدكتور يوسف الثقفي -البارحة- أنه إذا كان خطك ومشروعك صحيحاً لا تُبالي بعدد مُخالفيك لأنهم سيتكاتفون عليك، وإذا كان خطك ومشروعك غير صحيح لا تبالي بكثرة أشياعك لأنهم سينفضون من حولك.

     شكراً جزيلاً أستاذنا الدكتور المتواضع يوسف بن علي الثقفي على هذا اللقاء الماتع، حفظ الله بلادنا المملكة العربية السعودية من كل سوء ومكروه، وادعوا في سجودكم وقنوتكم للملك الصالح سلمان بن عبد العزيز ولجيشه بالنصر والتأييد والقوة والتسديد فإنه الوحيد الذي يحمل هم الأمة اليوم ويدافع عن قضايا العرب والإسلام والمسلمين.