د. علي بانافع
خيراً فعلت كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى ممثلة بوحدة الخريجين بإدارة الزميل الرائع الأستاذ الدكتور فهد بن عتيق المالكي، الذي تمكن بكل أريحية في أُمسية رائعة الليلة الخميس 18 /11/ 1441هـ، من استضافة العصامي الجاد والمؤرخ الشامخ أستاذنا الدكتور عبد الله بن سعيد الغامدي، ففي الحوارات واللقاءات الإعلامية يحرص الاذكياء -دائماً- على التركيز على المحطات الرئيسة والهامة في حياة الضيف، فكان الدكتور فهد المالكي مُوفقاً وحصيفاً عن جدارة واستحقاق، في استخراج مكنونات أستاذنا الدكتور عبد الله الغامدي، فبعض المحاورين يتثاقل أو لا يُجهد نفسه في سبر أغوار مكنونات ضيفه، فتستمع لحوار بارد لا طعم له ولا لون ولا رائحة، حتى إذا لم يلمس شيئاً هاماً انتفض ذلك المحاور غضباً وتقمص أدواراً شتى، فشكراً جزيلاً من الأعماق للمحاور المتمكن اللبق الأستاذ الدكتور فهد المالكي، الذي أدار حواراً شيقاً.
كل كتب التنمية البشرية لن تنقذك، ستقدم لك بعض الافتراضات والحلول المتصورة لكنك وحدك من ستنقذ نفسك بها أو بدونها إذا كنت ذا عزيمة، التنمية البشرية الحقيقية والفاصلة تجدها في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ -فاستعن بالله- وكل مدربي التنمية البشرية لن ينقذونك سيقدمون لك بعض الافتراضات والحلول المتصورة لكنك وحدك من ستنقذ نفسك بها أو بدونها إذا كنت ذا عزيمة!!
الحقيقة أن النجاح قوة كامنة في ذات الإنسان، ولكنها بحاجة إلى رعاية وعناية لكي تتحول هذه القوة الكامنة إلى قدرة متفجرة ومتنامية ومتدفقة ومستمرة في كل الأحوال والظروف، فكل شيء في هذه الحياة يبدأ بفكرة لمعت في ذهن شخص عادي استطاع تغيير العالم من حولنا، كيف بدأت هذه الشخصيات؟! كيف فكرت؟! كيف تصرفت؟! وكيف تغلبت على الصعوبات؟! لا شك أن للبيئة المحيطة أثراً كبيراً في ظهور النجاح، ولا شك في أن ذلك يشكل دروساً يستفيد منها كل إنسان؛ فلنتعلم من هؤلاء ولنستفد من تجاربهم وكفاحهم ونجاحاتهم رغم كل الظروف والعقبات، الدرس الأكيد منها أن النجاح لا يأتي وليد الصدفة إنما من الصفر، وهو ثمرة جهد شاق وكفاح طويل جدا، كمؤسسو الدول والأوطان، ومكتشفو اللقاحات والأدوية، ومؤسسو الشركات الكبرى والعلامات التجارية، ومخترعي الآلات الحديثة، وأساطين الأدب والطب والتجارة اللذين تحولت قصصهم إلى أساطير تُحكى للأجيال القادمة مع تقادم الأيام والأزمنة، إن المتبع لقصص النجاحين؛ مسترجعاً لأفكارهم، مستفيداً من التحول في ظروفهم -وما قاسوه من معاناة- ليجد نفسه محلقاً في آفاق جديدة، مشمراً عن ساعده؛ ساعياً إلى خَلق حُلم كبير يُحدده ويجري من خلفه بكل ما أُوتي من قوة، كل هذا مرآة تعكس تجارب الآخرين لنتعلم من خلالها؛ ومن خلال الغوص في حياة أولئك الناجحين؛ ومن عمق تجربتهم وثقافتهم ومثابرتهم يُمَكِّنُنَاَ من اكتشاف كذلك الناجحين من أبناءنا وطلابنا ومن يعمل معنا.
من خلال اللقاء الليلة استفدت كثيراً من الأستاذ الدكتور عبد الله الغامدي، أن الأشياء الكبيرة كانت في بدايتها صغيرة -وهو مثال على ذلك- فليكن منهج الإضافات البسيطة هو منهج حياتنا، لنتذكر أن غالب من أثَرُوا في الحياة علماً وعملاً لم يكونوا عباقرة بل من متوسطي الذكاء، فقانون النجاح هو المثابرة -باختصار شديد- المثابرة هي البطل الدائم في حياة كل الناس، وهي السِّرُ العميق وراء تحقيق متوسطي الذكاء نتائج عظيمة لم يُحققها العباقرة، المثابرة تعني القدرة على الاستمرار في الحياة رغم الصعوبا والمعوقات والظروف غير الملائمة، المثابرة تُعبر دائماً عن روح الإصرار والصمود وصلابة الإرادة وأن من يتمتع بهذه الصفات شخص يصعب هزيمته!!
تفعيل الممكن الموجود من الطاقات وترك المفقود هو الصحيح، وليس الضياع في الأمنيات والأحلام، في الواقع نستطيع فعل الشيء الكثير وإن كان صعباً، وليس علينا أن نكثر من الأحلام التي لا تحتاج منا إلا أن نغرق في الأماني المستحيلة الوجود وإن كانت جميلة للنفوس، علينا التفكير في الممكن فعله وإن كان صعباً وبه عناء؛ لأنه الطريق الصحيح، طريق من قبلنا، طريق الكفاح والنضال، لكنه كفاح بثمرة، وليس بأماني دون ثمرة.
بارك الله فيكم وفي أخلاقكم سعادة الأستاذ الدكتور عبد الله بن سعيد الغامدي المؤرخ الشامخ والعصامي الجاد يُطْرِبُني المتكلم البارع، وأنت كذلك الخلوق الرائع، وأنت كذلك الفاهمُ المتواضع وأنت كذلك، إلاّ أن فضلكَ عليّ كبير وجليل وعظيم، ولا يسعني إلاّ أن أقول لكَ كما قال سيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه لأبي بكرٍ رضي الله عنه: "ما مِن أحد له علينا يدٌ إلاّ وكفأناه، إلاّ أبو بكر فله علينا يد يكافئه الله". -أو كما قال ﷺ- يا سيدي الأستاذ الدكتور عبد الله، والله لم أجد في علاقات الإنسانية أروع من حُسن الخلق بما فيه التواضع والصدق والوفاء وكل خصال الخير، حفظك الله ورعاك، فنعم الرجلُ أنتم ونعم من رباك، ودامت الأخوةُ في الله ورسوله بعيدة عن أغراض الدنيا.