"أبدية الألم في عيون يولا".
طوال حياتي كنت أستمع إلى فيروز
كانت فيروز في حياتي ذلك الصباح الذي يسافر بي إلى الليل في كل لحن من أغانيها
كنت أجد نفسي أطفو على نغمة جديدة تسحبني بعيدًا عن الواقع إلى عوالم أخرى حيث لا وجود للزمن
وبينما كنت أغرق في موسيقاها كانت أم كلثوم تنتظرني في المساء بصوتها الذي يذكرني أن الليل ليس مجرد فترة زمنية بل هو حضنٌ يضم الحزن والأمل معًا
وكنت بينهما بين الفجر والمساء أقرأ درويش الذي كان يتحدث عن الأرض والحلم والحب الذي لا ينتهي
ونزار الذي كان يعزف كلمات العشق بأوتار القلب
وغسان الذي زرع في شجاعتي احضان الوطن
وجبران الذي علمني أن الروح لا تموت مهما تقادمت السنين
وكنت حينها أقرأ غادة تلك التي ألقت صباحها على غسان كما لو أن حروفها تحمل عبئاً من الذكريات التي لا تموت
وفي ذات الوقت كان جبران يكتب رسائله إلى مي تلك الكلمات التي تنبض بالشوق والعتاب
كنت أعيش بين صفحاتهم أقف عند كل مفترق طريق وأشعر وكأنني جزء من تلك القصص جزء من الألم الذي خيّم على أرواحهم
وها أنا اليوم وكأنني ولدت لأكمل ذلك الألم الذي كان يلتف حول عنق درويش وتلك الأوجاع التي خنقت غسان وجبران وذلك الحزن الذي التف حول عنق نزار حينما ماتت معشوقته بلقيس
وكأنني أصبحت حاملًا لذلك الإرث الثقيل الذي عاشوه وكأنني مكلفًا بأن أعيش ما عايشوه أسير في دروبهم وألمس ذات الجراح التي تركوها وراءهم
وكأنني ولدت لأواسي غادة في صمتها وأربت على كتف مي في حزنها وأعزي الجميع بما فقدوا كما لو أنني تسلمت مهمتهم جميعًا وحملت عنهم ما لا يستطيعون حمله
في تلك اللحظات كنت أجد نفسي أعيش بينهم أكون هم وأحاول أن أقدم لهم ما كانوا يحتاجونه من مواساة أو تعزية رغم أنني لم أكن أملك إلا الألم
الألم الذي أصبح اللغة الوحيدة التي نتحدث بها
وها أنا أسأل نفسي اليوم ما الذي جعلني أكرر هذه المأساة مع يولا
يولا تلك الوريثة التي ورثت غادة ومي تحمل في عيونها حزني وحزنهم جميعًا وكأنها جاءت لتكمل الطريق الذي بدأته أرواحهم لتكتب قصة جديدة ولكن بدموع قديمة
وكأنني أرى في عينيها نفس الألم الذي جاب قلب غادة ونفس الصمت الذي سكن قلب مي
وكأنني وجدت نفسي أحمل إرثهم الثقيل أعيش نفس المأساة وكأنها قد قُدّرت لي أن أكون جزءًا منها (لا مهرب)
ولكن وكأنني أنا من حملت إرث الحزن الذي عاشته غادة ومي حينما التقيت بيولا وكأن هذا الألم كان حتمية لا يمكنني الهروب منها
وكأنني كنت دومًا في الطريق الذي كان يجب أن أسلكه حاملاً كل تلك الذكريات وأنتظر كل تلك الأسئلة التي لا جواب لها
فما الذي فعلته أنا حتى أعاقب كل هذا العقاب
هل أنا من خلق هذه الحكاية أم أنني كنت مجرد فاعل في مشهد لا أملك فيه القدرة على الهروب من قدره
بقلم
عدنان عضيبات