تتحقق سعادة المجتمع حينما يتولى دفة الحكم أكفاء عناصر الأمة صلاحا وخلقا ولا تتصل الكفاءة والأهلية السياسية بالأصل أو الثروة أو المركز الإجتماعي بل بالأخلاق و المعرفة. بإيجاز,هكذا ربط الفيلسوف والمفكر الصيني "كونفشيوس" سعادة عامة الشعب بالكفاء السياسية والأخلاق، و تجربة الديمقراطية بإعتبارها أحد أهم التجارب الإنسانية /السياسية التي تخول لشعب إختيار من هم لأصلح في السياسة,فقد برزت ملامحها الجنينية الأولى في اليونان عصر الدولة المدينة. تعاند الديمقراطية في جوهرها أشكال الحكم الأخرى لأنها كما عرفها الرئيس السادس للولايات المتحدة الأمريكية "أبراهام لنكولن" حكم الشعب نفسه بنفسه ولأجل نفسه، ويعد لفظ الديمقراطية أولى المفاهيم التي تضعها معظم الدول في الوثيقة الدستورية. و الإختيار الديمقراطي في الدستور المغربي جاء من ضمن الثوابت التي لا يمكن بحال من الأحوال تعديلها أو تغييرها، كما أن نظام الحكم المغربي بمنطوق الفصل الأول من الدستور الجديد للمغرب لسنة 2011 هو نظام ملكي دستوري ديمقراطي برلماني وإجتماعي، و إقترن مفهوم الديمقراطية بالبناء العام لدستور 2011. بحيث ورد المفهوم في أكثر من موضع (المؤسسات الديمقراطية-المواطنة والمشاركة الديمقراطية-النموذج الديمقراطي التنموي المغربي)، في مختلف جوانب الهندسة الدستور، حضرت الديمقراطية حبرا في أغلب فصول الدستور. وغابت في جل جوانب الحياة العامة، التي إنعدمت فيها دعائم المواطنة الحقيقة والوعي السياسي لدى الأفراد في تفاعلهم مع أمور الشأن العام و واقع الممارسة السياسية الذي إمتلاء بالصراعات الفارغة بين الآحزاب و كذلك غياب الشفافية والنزاهة في العملية الإنتخابية لاسيما وأنها الموعد الذي يبحث فيه الفاعل السياسي عن تحقيق الكم من أصوات المواطنين بمختلف السبل قصد بلوغ مناصب القرار. في واقع كهذا يطرح السؤال حول الجدوى من الديمقراطية، فالشروط التي على هديها ينخرط المواطن في أمر السياسية بإدراكه فهمه و إختياراته لاتتحقق في الكثير من الأحيان، كما أنه في الوقت الراهن لايسوغ لنا الربط المطلق بين إرادة الشعب و النخبة التي ثمتله في المؤسسات السيادسية. فحسب إحصائيات المندوبية السامية لتخطيط 23 مليون مغربي في سن التصويت، و يوجد منهم في اللوائح الإنتخابية مايقارب 16 مليون شخص توجه من هذا الرقم الأخير نحو صناديق الإقتراع في الإنتخابات التشريعية ل07 أكتوبر 2016و الثانية في ظل الدستور الجديد للمملكة، ستة ملايين و مايقارب800 الف مواطن فقط . لم تتخطى نسبة المشاركة السياسية نسبة 43 في المائة ، وبذلك فإن الأرقام التي ذكرت أنفا تؤكد امرا واحد وهو أن المواطن يخاصم ويقاطع المشاركة السياسية وغير راضي عن النخبة التي تدبر شؤون عامة الشعب. نخبة تفرقهم الشعارات وتؤلف بين قلوبهم الإمتيازات والمصالح ، الكل ينكث وعود الإصلاح بعد وصوله ويرجع إليها ليجدد معها العهد بعد الولاية التشريعية. والمثير للإستغراب أن أنصار الفاعل السياسي يتشبثون بفكرة أنه الوحيد القادر على تقديم الإجابات السياسية التى تطمئن بال المواطن لاسيما في أوقات الشدائد، فالخطاب السياسي لم يعد له تأثير حقيقي على المجتمع بالأخص بين الشباب الذين لايعبأ أغلبهم. وإن كان ربط لغة الارقام بواقع المشاركة السياسية. لا يمس جوهر الديمقراطية التي تمنح حق الإختيار للموطن بقدر ما آنها تبين أن ثمتيلية الفاعل الحزبي ديمقراطيا ناقصة إلى حد ما في ظل العزوف السياسي. ومهما إتسعت دائرة التدافع بين الأحزاب السياسية والمواطن فإنها لاتشمل إلى حد ما التكنقراط القريبين من الملك، البعيدين عن الشعب، رجال الكفاءة الذين ينفذون التعليمات ويجيدون تشغيل ألة الإقتصاد وفق توجهات يرسمها القصر تختلف في كثير من الأحيان عن المنظور السياسي للأحزاب. والتعايش بين التكنوقراطي والسياسي في تدبير الشأن العام كان ولايزال أمر طبيعي ففي حكومة التناوب التوافقي، وهي من اهم الحكومات التي مرت في التاريخ االسياسي للمغرب المعاصر, بدأت مهامها سنة 1998 وإنتهت سنة 2002 ، ضمت في تشكيلتها ثلاتة وزارات الداخلية والعدال والأوقاف والشؤون الإسلامية كان على رأسها رجال تقنين. والنقاش اليوم ليس حول حضور التكنقراط إلى جانب السياسين في الحكومة أو مدى ثأتيرهم الظاهر والخفي في عمل السلطة التنفيذية، الحديث يدور حول إمكاينة تشكيل حكومة تكنقراط خالصة تتكفل بحل المشاكل الإقتصادية التي قد تواجه المغرب بعد زمن كورونا. لايزال الأمر إلى الآن في حدود التجاذبات والتقاطعات في وجهات النظر بين من يدافع عن طرح الحكومة السياسية من جهة وبين من يحاول التأكيد على أننا في زمن سياسي نحتاج بشدة لمن هم أكثر علما و دراية من السياسين من جهة ثانية. ولن يعبر هذا النقاش إلى بر الجدية السياسية دون فهم واقعي لطبيعة المرحلة الأنية التي يمر منها المفرب، خاصتا إذا كان الحديث عن حكومة تكنقراطية تشتغل في ظرف زمني محدد و التساؤل حوال أهمية تشكيل حكومة تكنقراطية إذا كانت الحكومة الحالية يتولى فيها رجال الكفاءة أهم الوزارات.
وفي حال فرض فيروس كورونا واقع إقتصادي أشد قسوة وتعطلت القطاعات الحيوية للبلاد ربما نرى حكومة كفاءات قد تصيب او قد تفشل كما فشل السياسيون من قبل عندما أفلتو من بين أيديهم مناسبات حاسمة للإصلاح الإقتصادي والإجتماعي. أما نحن عامة الشعب لانربط سعادتنا بسياسة و بأخلاق أهلها من الأصل،نعتذر ياسيد كونفشيوس!
