ممتزجا بحسرته يمضي تحت جنح ليل ثقيل ..

يحمل بقايا عمره وفتات زاد أيبسته المسافات.

- لم يتبق الكثير (يحدث نفسه) ويمنيها بمعانقة الوجوه التي

غاب عنها عقود من الزمن.

- بضع خطوات على الهضبة المخبئة خلفها مدينتي الصغيرة وستظهر لي الأنوار, وسأسمع همسات وضحكات السُمّار هنا وهناك .. سُمّار تحت قبة السماء يفترشون الارض يملؤونها أنسا.. ليسوا حراسا فالارض تتنفس الأمن والسكينة, وإنما هم أرواحا عشقت الحياة فواصلت كدها النهاري بسمر الليل وأحاديثه المبللة بالطيبة والسماحة .

- ترى من بقي منهم ومن قضى ؟( تساءل)

سابق لهفته, والذكريات تتهيأ لتستعيد واقعها المغطى بشهد الاشواق .

كان ينشب كفيه وقدميه في مشقة ليصعد إلى قمة الوصول

إلى البقعة التي تختبيء فيها الروح مهما ابتعد الجسد وغيبته المرافيء...إلى موطن الروح.

حين وصل الى أعلى الهضبة وجد هاوية تتلفع السواد والوحشة, وصمت يشبه صمت القبور.. وجد مكانا ليس بالمكان الذي ألِفهُ وعشِقهُ.. وقف مذهولا لايصدق مايراه.

سأل نفسه: هل أخطأت الطريق؟

لا أنوار ولا سمّار ولاملامح لحياة.

لاشك أني ظللت طريقي.. ولكن أين أرضي؟

كنت أظن أنني أعرف طريقها.. فكيف تهتُ عنها؟..

أم أنها من تاه عني..

هل ضعت أنا أم أنها من ضاعت وضيعتني!..

أين سأذهب الآن؟

وفي هذا الوقت من الليل, هل على المضي قدما, وإلى أي اتجاه؟

ضربت جوارحه عاصفة من خيبة الامل اقعدته مكانه .. ركع ثم هوى ساجدا يسأل الله الصواب .. كان وجهه يغوص في الارض وأنفه يتلقط أنفاس من مروا؛ فتهب في الذاكرة عواصف من الأحداث والصور ..

قال في نفسه : هذه رائحة ارضي فأين الاهل ؟

فاضت عواطفه فبكى , وتحشرج صدره بتناهيد البعد للحظات قبل ان توقظه من بؤسه رؤوس البنادق التي انهالت على رأسه ومنكبيه .

- من انت ؟

رفع عينيه إلى القوم . كان كل منهم يحمل سلاحه في يد ومصباح يدوي في اليد الأخرى .. تسائل في نفسه : هل وضع كل منهم مصباحا في يده وتركوا الارض تغرق في الظلام ؟

أعاد احدهم سؤاله : من أنت ؟

لم يجب.. أستنكر حالهم البائس, أيضع كل منهم سلاحا في يده ليحميه وسراجا لينير له طريقه ونسوا الأرض ومن عليها, تركوا الأرض تهوي في ظلمات لا يعرف قسوتها ومراراتها غير الله..

ثم ماهذه القسوة التي سكنتهم وعكستها افعالهم ووجوههم... أهم قومي حقا؟

قال أحدهم: أنت داعشي.

وقال الذي يليه : حوثي

وصوت آخر قال : بل قاعدي !

وقال آخر : إنتقالي !

وتعثرت الكلمات بلقمة القات الكبيرة التي تتدحرج بفم احدهم حين قال : اثلاحي .. أقصد اصلاحي (اخونجي)

وأعاد أولهم سؤاله : من أنت؟.. شرعية ؟ شمالي أم جنوبي؟

رفع عينيه إليهم .. عرفهم ولم يعرفوه .

أعادوا نثر أكوام الأسئلة المبللة برذاذ القات: من أنت ؟

نظر في وجوههم وأجاب : عابر سبيل .