د. علي بانافع
مع السلامة يا رمضان، وداعاً يا رمضان، سنفتقدك كثيراً، لن ننسى ذكرياتنا الجميلة معك، يا شهر الخير والمغفرة والرحمة، ويا شهر القيام والقرآن والذكر، لقد أعطيتنا زاداً لعام كامل، سوف نذكرك إذا صمنا نافلة، سنذكرك إذا قرأنا جزءاً، سنذكرك إذا أتممنا ختمةً، سنذكرك إذا صمنا يوماً، سنذكرك إذا تصدقنا، سنذكرك إذا أمسكنا عن اللغو والغيبة، أليس هكذا علمتنا أيُها الأستاذ والمربي العظيم؟!
لقد علمتنا أننا نستطيع القيام كل ليلة وان الكسل عن القيام مجرد وهم يخدعنا به الشيطان، علمتنا ان نصوم شهراً فصيام أيام ثلاثة في كل شهر أيسر من اليسير، وعلمتنا قراءة القرآن كل يوم وقراءة شيء يسير منه لا نعجز عنه، وعلمتنا إمساك ألسنتنا عن الباطل، وان الخوض فيه ضياع للحسنات، وموت للقلب قبل الممات، ونرجوا بعدك ان تتريض هذه الألسنة على ذكر الله وترك ذكر الناس، وعلمتنا تقوى الله في كل لحظة، وذكرتنا بمراقبة الملكين في كل لفظة، وعفة اللسان عن أعراض الناس، علمتنا الاستقامة في القول، والعدل في الحكم، وعدم الخوض فيما لا يعنينا ونرجوا عون الله على ذلك في قابل الأيام ..
عودتنا على صلة الارحام، وإفشاء السلام، وانبساط الوجه، وترك الخصام فأحلى شيء في الدنيا بعد مناجاة الله والسجود لحظات المودة مع كل ودود، وأسعد ما فيها مجالسة العلماء الاتقياء الانقياء، والارتشاف من معين علومهم، وفيض أخلاقهم، وجميل سجاياهم، وبليغ مواعظهم ونصائحهم، والاقتداء بسمتهم وهديهم وتواضعهم ..
تعود علينا يا رمضان بإذن الله في العام القابل ونحن وأهلينا وأحبابنا على تقوى وسعادة، وعافية وخير وزيادة، تعود وقد عادت مآذننا تصدح بالتكبير والتهليل، ومساجدنا رجعت ممتلئة بالمصلين يؤدون الجمعة والجماعة والتراويح، وكعبتنا قد ذهب عنها الحزن وامتلأت رحابها بالطائفين، وأروقتها بالعاكفين والمصلين، وقد زال الوباء وحل الشفاء وتحقق الرجاء، وداعاً وداعاً يا أفضل الشهور في دهرنا وكل الدهور، وداعاً يا رمضان ..
الليلة إن شاء الله عيد الفطر السعيد المبارك، وقد مرت عشرات السنين، ونحن نسمع آباءَنا وأمهاتِنا واجدادَنا وجداتِنا يقولون -إن نقص شيء من ما نحتاجه في الأعياد- ويرددون على مسامعنا تلك العبارة التي تقول: "العيد عيد العافية" ونحن نقابل هذه العبارة بسخرية، واستهزاء، وعدم استشعار بحجم النعمة، وها نحن اليوم استشعرناها، وعرفنا قدرها، واعترفنا بها، اللهم من علينا بالصحة والعافية واصرف عنا الأوبئة والأمراض، وسيء الاسقام، فعلاً "العيد عيد العافية" لم تأتِ من فراغ، وكل عام وانتم بخير وإلى الله أقرب ..
يا رب، إذا كنا عبيداً فهذه ليلة الأجر، وإذا كنا عباداً فهذه ليلة الجائزة، وعلمك بحالنا يغنيك عن سؤالنا ..