تؤثر بعض المنظمات في أفرادها مثلما تؤثر الأم في أبنائها ويزداد ذلك الأثر كلما كان في بداية حياتهم المهنية و قد يمتد الأثر معهم طيلة العمر حتى لو غادروها. وقد يكون ذلك الأثر إيجابياً فيتبعوه أو سلبياً فيجتبوه. يتجلى ذلك الأثر إما في الأساليب الإدارية بأشكالها المكتبية أو العملياتية ، أو في المهارات الفنية حرفية كانت أم بحثية تطويرية أو في كليهما حسب طبيعة المنظمة وماتتقنه أو مايتوافق مع هويتها ومجال تميزها.
تصبح طبيعة ذلك الأثر سمة تعرف بها المنظمة -سواءً طال بها العمر أو حل أجلها - ويتميز بها أفرادها و خريجوها الذين يحملون معهم تلك السمعة ويعززونها بممارساتهم في المنظمات التي ينتقلون إليها. فعلى سبيل المثال تركت شركة ديجيتال رائدة الابتكار في مجال الكمبيوترات والشبكات أثرها في منسوبيها الذين حملوا جينات الابتكار معهم فقادوا مراكز البحث والتطوير في شركات التقنية مثل إنتل وسن مايكروسيستميز و مايكروسوفت وغيرها عقب خروجهم منها وهم يفتخرون بها. منافسة ديجيتال اللدود آي بي إم والتي عرفت بتميز رشاقة إدارة عملياتها بجانب ميزات تقنية أخرى عظيمة خرّجت أيضا قادة كبار شركات التقنية مثل آبل و ساب وياهو وأي إم دي وغيرهم. شركة الاستشارات الإدارية ماكينزي المعروفة بمنهجياتها الراسخة هي الأخرى أصبح أبناؤها قادة لعمالقة الشركات في شتى القطاعات من أمثال قوقل وبوينق وليقو. ولاتزال مغادرة بيوت الأمهات مستمرة فقوقل وآبل ومايكروسوفت وآمازون أصبحن أمهات لشركات مثل فيسبوك ونيست وغيرهن.
تظل رابطة العلاقة بين خريجي تلك المنظمات مستمرة سواءً كان خروجهم منها طوعًا أو كرهاً ،فهناك أندية خريجي ديجيتال وآي بي إم وغيرهم كثر. بعض هذه الأندية رسمي تنشئه المنظمات للحفاظ على العلاقات مع أبنائها واستثمار نجاحاتهم لخدمة احتياجاتها، وبعضها قد يكون بمبادرة من الخريجين للتواصل مع إخوتهم الذين شاركوهم بداية مسيرتهم - فرب أخ لم تلده أمك- وتتنوع أنشطتهم من خلال تلك الأندية، فمثلاً قام بعض خريجي شركة أيروجيت، وغيرهم، بتأليف كتب عن منظماتهم التي نشأوا فيهن توثيقاً لتاريخهن وعرفاناً بفضلهن رغم أن خروج بعضهم منهن مر بظروف عسيرة إما نتيجة خلافات وصلت إلى طرق مسدودة أو نتيجة تسريحهم لأسباب مختلفة.
رغم افتخار المنظمات الأمهات بأبنائهن عند تألقهم وتقلدهم أعلى المناصب ، إلا أن مغادرة بعضهم لم تكن سهلة في أغلب الأحيان وقد تعلو أصوات داخل تلك المنظمات تنادي بتصعيب مغادرة الأبناء أو التضييق عليهم بغرض الحفاظ عليهم أو عقابهم على تمردهم ، لكن الأولى بهن أن يمنحوهم حباً غير مشروط باجتذابهم والاستثمار فيهم وتنمية قدراتهم، وإن قرر بعضهم التحليق بعيداً ليواصلوا نموهم ويسلكوا مسارات جديدة قد لاتتوفر في منظماتهم فليدعموهم ليصبحوا سفراءهن وسيأتي خيرهم أينما كانوا وسيظلون في نظر أبنائهن منظمات أمهات جديرات بالوفاء.