د. علي بانافع
أوصانا المولى سبحانه وتعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس: 60] وقال كذلك: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]. وعبادة الشيطان هي طاعته، ولقد حلف اللعين بالله رب العالمين أن يغوي البشرية أجمعين فقال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82]. وهذا ملاحظ بشكل واضح أن طاعة الشياطين مقدمة في بعض مجتمعاتنا على طاعة رب العالمين.
إن خطوات الشياطين تعمل على قدم وساق في خدمة مخطط إبليس، لكن الله رحيم بأمته جعل في رمضان خصيصة عظيمة تقلل من الذنوب، فقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: {إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ} (الترمذي [682] وابن ماجه [1642] واللفظ له) ولا يخفى عليكم أن النفس البشرية والشيطان والدنيا أهم دواعي الضلال والتيه عن الطريق المستقيم، ففي رمضان تقيد الشياطين لتبقى قوة النفس وشدة تعلقها بالدنيا هي الاختبار الذي يدفع بالذنوب التي نراها في رمضان، لذا الدعاة الوعاة يعرفون تأثير الشياطين في مجتمعاتهم، وقوة تأثير الأفكار البشرية الهدامة التي زرعها شياطين الأنس والجن للصد عن سبيله.
كل رمضان بعد صلاة المغرب يبدأ هذا الاختبار، لكن رمضان هذا العام 1441هـ لم ولن يختلف عن سابقه من الرمضانات من ناحية الغث والسمين الذي يبث على الشاشات والقنوات العربية بل وحتى الوكاﻻت والصحف والمجلات -أيضاً- وما أكثرها، فبينما يطلع قسم ضئيل منها ببث روح التسامح والرحمة والتآلف والعمل الخيري بين الناس، ينحصر أداء اﻷخرى وهي اﻷكثرية في إستعراض اللحم اﻷبيض المتوسط، والعرق الزحلاوي، والرقص والغناء وإثارة الغرائز، والنعرات الطائفية، وقد شخصت تزايدا وجرآة في الطرح تخطت كل الحدود في الجانب المظلم وبذل الوسع في نشر الرذيلة في ذات الوقت الذي تتفانى فيه برامج الرحمة لنشر الفضيلة بين الخلق بجهد المقل وسعي المجد.
وحقا ما يفعله الفنان في رمضان يفوق فعل الشياطين، فقد سبق شيطان الأنس شيطان الجن ويصدق القول على بعض القنوات الفضائية، التي هي أدنى مرتبة من قنوات الصرف الصحي، ذاك أن الثانية تعمل على التخلص من النفايات البشرية السامة حفاظا على الصحة العامة، فيما تعمل اﻷولى على ضخ أكبر كمية ممكنة من المواد والنفايات السامة والعمل على تدويرها في اﻷدمغة والعقول لتعمل عملها في النفوس والقلوب، وبالتالي فإن قنوات الصرف الصحي هي أجدى وأنفع للبشرية من بعض القنوات الفضائية، كما اوجه نصحي -أيضاً- إلى بعض القنوات العربية التي تجمع بين برامج الصرف الصحي وبين برامج الرحمة الإنسانية، أن تحدد هويتها وموقفها جلياً إذ من غير المعقول ولا المقبول أن نشاهد وبعد البرامج الرحمانية والإنسانية فورا برامج شيطانية.
وليعلم الجميع بأن رمضان هذا العام 1441هـ سيكون مختلفا بعض الشيء عن سابقه، حيث حجز وباء كورونا العوائل داخل منازلها، بعيداً عن الصلوات في المساجد العامرة وعن الجمع والجماعات والاعتكافات، وعن التزاور والتواصل بين الاصدقاء والاقرباء، بمعنى أن العائلة كلها صارت -بشكل أو بآخر- مرغمة على متابعة الكثير من برامج التلفاز بغثها وسمينها على غير عادتها في السنين الماضية، بهذا الحجم على الأقل ولابد هنا من أن يقدم النافع لها لا السيء، والا فإن دور هذه البرامج في تلويث الأذواق والعبث بالأخلاق وغسيل الأدمغة والعقول سيكون عظيما للغاية، ولن يسلم من كبير إثمها كل من أسهم في اخراجها وإعدادها وانتاجها بخلاف تلكم الخيرية والإنسانية فأجرها وثوابها كبير جدا ولا شك.