د. علي بانافع
جلوسك لمشاهدة أفلام كارتون "ميكي ماوس، وعدنان ولينا، وغريند دايز" قبل ثلاثة عقود من الزمن متسمرا أمام الشاشة الفضية الصغيرة، مستلقيا على الأرض مع اشقائك الصغار، وانت تتناول الشابورة وتشرب الشاي بالحليب لا يعني ان الزمن آنذاك كان جميلا ..
الشاي لذيذ نعم ..
الشابورة تخبل صحيح ..
الكارتون يجنن أكيد ..
الزمن جميل لا !!
الزمن الجميل نسبي ووهمي، هو ذلك الزمن الذي تتحسر عليه كل فتاة جميلة كلما نظرت في المرآة بعد الخمسين، هو الزمن الذي يتحسر عليه كل شاب قوي البنية وسيم الطلعة مع كل حبة ضغط وسكر يتناولها بعد الخامسة والأربعين، هو الزمن الذي يتحسر عليه كل طفل فقد أحد أبويه او كليهما، كل شابة طُلقت، كل زوجة ترملت، كل صحة تدهورت، سيحن أصحابها إلى زمن كانوا فيه في وضع أفضل واصفين إياه بالزمن الجميل، الولع بالزمن الجميل خصيصة من خصائص البشر، الزمن الجميل هنا يشمل كل شيء، الأحداث، الأماكن، الأشخاص والذكريات عموما، مع الأشخاص الثناء العطر والأيام الجميلة والعشرة الحلوة، أما الأماكن فحدث ولا حرج من الحنين إليها، ولو رجع الزمن الجميل لتحول الحنين المصطنع إلى اشمئزاز وتأفف!! الانفكاك من أسر الزمن الجميل صعب جدا ويكاد يكون مستحيلا في واقع متغير، هذا ليس حطا من شأن ذلك الزمن الجميل، لكنه دعوة للتوسط في التعاطي معه في ظل التغافل التام عن تشابكات الواقع ومن ثم إهمال المستقبل.
ﻻ زمن جميل إطلاقاً، بل صحبة وجيرة جميلة رحلت، شباب وجمال ولى، عافية ومعافاة غابت من غير وداع، والإصرار على ترديد العبارة -بغباء الكتروني محض- من قبل البعض على مواقع التواصل هي امتداد لثقافة الاستدمار التي خلفها الاستعمار، ليضحك كل جيل على نفسه ويمتدحه -ولو وبنسبة عكسية- كلما زاد كلما غاب الزمن الجميل، وكلما نقص كلما اتسعت دائرة الامان والجمال والسلام، وﻻ يهمني العديد ممن يرددون هذه العبارة -في مواقع التواصل- كما يرددون القصائد والأناشيد والأغاني، فرحا بمقدم زمن يرونه جميلا -ونراه غير ذلك- سيفعلونها ثانية مع من خاب ظنه في هذا الزمن الذي يرونه جميلا في أزمان قادمة مستقبلا، واقع سخر منه الشاعر بقوله:
تقفون والفلك المسخر دائر وتقدرون فتضحك الأقدار !!