د. علي بانافع
بداية جُلُّ احترامي وتقديري وامتناني، وكل عبارات التجبيل والثناء للحريصين والمخلصين وبالذات معالي وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ، وللمسؤولين في الوزارة والعاملين فيها، وكذلك للأساتذة في الجامعات والمعلمين في المدارس، ولأبنائنا الطلاب -من كلا الجنسين- ممن يواصلون التعلم والتعليم عن بُعد -كما هو معمول به في ارجاء العالم- ويبذلون كل جُهدهم ووقتهم في سبيل ذلك بكل تفانٍ وإخلاص.
واسأل: إذا كان الطالب وبجميع المراحل الدراسية من الابتدائية وحتى الجامعية، أيام الدوام المدرسي والجامعي الرسمي لا يُواظب على الدروس والمحاضرات والواجبات الا من باب ((مجبر أخاك لا بطل)) -كما في الأمثال- والأصح هو ((مجبر اخوك لا بطل))، ولا يفتأ يبحث بشغف عن الاجازات والعطلات وعن المناسبات والأعياد والأمطار، فهل ترتجي من الطالب في العزل المنزلي والحجر الصحي، زمن كورونا -كفانا الله وإياكم شره- ان يُتابع التعليم الإلكتروني عبر المواقع والمنصات بشغف ولهفة باستثناء الطلبة المتفوقين والأوائل!! اقطع جازما بأن جُلهم لن يُتابع التعليم عن بُعد وبالأخص في المادة الدراسية التي يمقُتونها، أو تلك التي تُلقى على مسامعهم بواسطة المعلمين الجامدين، ممن لا يُحبون طريقة تدريسهم للمادة لا في صفوف ولا في الفضاء، اضافة لسبب آخر اهم هو عدم قدرة المنصات وجاهزيتها لاستقبال أعداد غفيرة من الطلاب وفي وقت واحد، بدليل ان المدارس الخاصة التي تستخدم منظومة "كلاسيرا" وهي منظومة جيدة للتعليم عن بُعد، يشكون من عدم تجاوب الطلاب وتفاعلهم مع المنظومة بشكل فعال.
جميل جدا -ولا شك- ورائع جدا هو التعليم عن بُعد، على ان لا يكون بديلا عن الدوام الرسمي إطلاقاً، وفي تصوري ان تأجيل العام الدراسي واحتسابه سنة عدم رسوب، هو أفضل بأشواط من تعليم الطلبة عن بُعد، وعَدَه بمثابة دروس رسمية سيُحاسب الطالب عليها مستقبلا، ويُطالب بالامتحان النهائي بها لتوضع الدرجات والتقييمات على اساسها، لأن الطلاب لن يُواظبوا على هذا النوع من التعليم سوى الطلاب الحريصين والمجتهدين والمتفوقين فحسب، وبالتالي فإن محاسبة جميع الطلاب -بما فيهم المُقصرين والمُهملين- واداء الامتحانات وفق التقويم الدراسي نهاية العام، يعني كلاما في الهواء أو كلاما في كلام وعلى العلم والتعليم والتحصيل السلام.
بصراحة شديدة أرى المواظبة على التعليم عن بُعد قد أخفقت ولم تنجح من قبل بعض الأساتذة الذين لم يُواظبوا عليها قبل طلابهم، والأسباب لا تحتاج إلى توضيح ولا تبيان ولا شرح، وخلاصتها: "ان الذي يكره حضور الدروس والمحاضرات أيام الدوام الرسمي لن يتابع التعليم الكترونيا، بغير خطط واعدة وأساليب جاذبة متجددة"، واضرب مثلا بسيطا بعد ان انتظم الطلاب في الجامعات والمدارس بعد اجازة منتصف العام، شرعت العديد من الجامعات والمدارس الحكومية والأهلية؛ وبدلا من ان تستثمر الوقت المتاح لها -قبل فوات الأوان- أقول شرعت بإقامة: زيارات، ندوات، محاضرات، مسابقات، ورش، حفلات تكريم إلى آخر المتاهة، كل ذلك حدث خلال أسابيع فقط من انتظام الدوام الفعلي، ليأتي بعدها كورونا فتوقف الدوام كليا -بأمر ملكي سام حفاظا على الصحة العامة ودعمًا للإجراءات الاحترازية- وأكاد اجزم -أيضا- بأنه فيما لو عاد الدوام ثانية لشرعت ذات الجامعات والمدارس ببدء دوامها بحفلات، أنشطة، موهبة، إبداع، جوائز، تميز، مشاركة، كأس، درع، خذ شهادة تقدير وهات شهادة.
المطلوب بعض التشويق والإثارة وعناصر الجذب الناجح لإنجاح مشروع التعليم عن بُعد، على ان لا يكون بديلا لانتظام الدوام في الجامعات والمدارس البتة -كما اسلفت- وانصح المشرفين التربويين ومحاضري طرق التدريس -فضلا- عن واضعي المناهج بمتابعة ما يجري في العالم من أساليب حديثة ومبتكرة، تجعل الطالب يهرول إلى المحاضرة والدرس بدلا من ان يفر منه، بمعنى قليلاً من الحداثة والديناميكية والإصلاح والتغيير واعتماد ما يعرف بالدراسة المنهجية التفاعلية بدلا من التلقينية الجامدة. بارك الله الجهود، وحقق المقصود، وبلغنا الهدف المنشود، وكشف هذه الأزمة عن هذه الأمة المرحومة إن شاء الله.