د. علي بانافع
فرق كبير بين التنمية البشرية وقت الأزمات والتنمية في الوقت العادي، فما بالك فيمن لا يستغل الأزمات ليستفيد ويُفيد -كما يُقال- وأهم طريق للتنمية البشرية هو دعم أفكارنا وطرق تفكيرنا تجاه الأزمات والكوارث، علينا التفكير في تفعيل الموجود من الطاقات في الممكن فعله وليس في الأمنيات والأحلام، في الواقع نستطيع فعل الشيء الكثير وإن كان صعبا، وليس علينا أن نكثر من الأحلام التي لا تحتاج منا إلا أن نغرق في الأماني المستحيلة الوجود -وإن كانت جميلة للنفوس- علينا التفكير في الممكن فعله وإن كان صعبا وبه عناء، لأنه الطريق الصحيح وطريق من قبلنا طريق العناء والتعب والنصب لكنه عناء وتعب ونصب بثمرة وليس بأماني دون ثمرة.
إن كنت أعجب فعجبي أن "أيقونات التنمية البشرية" لا صوت ولا صورة -وباللهجة الدارجة- لا حس ولا نفس منذ بدء أزمة كورونا وإلى يومنا هذا، تُرى أين مئات الكوبي بيستات والحكم والأمثال الغوغلية -التي صدَّعُوا رؤوسنا بها- حول التجارب الإنسانية الفريدة والسعيدة؛ التي اتحفونا بها طيلة الفترة الماضية في طول الوطن العربي وعرضه، مقابل مبلغ مالي للتحفة الواحدة، والتي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع الا بنسبة واحد بالمليار؛ مع شهادة فالصو ملونة أطول ملونة أطول من المَحاضر مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية؛ وموقعة من بروفيسور وهمي؛ ومختومة بختم مراكز دولية لا وجود لها على الخارطتين البشرية والجغرافية!!
بعيدا عن التنمويين والتنمويات ممن سيقتبسون قصصا من هنا وهناك، ويجمعونها طيلة فترة حظر التجول والعزل المنزلي الذي طال ثلاثة مليار إنسان حول العالم في ظل أزمة كورونا، ليتحفوننا بها بعد زوال الأزمة بمبلغ مالي كبير للتحفة الواحدة هذه المرة، وبشهادات تحمل اكبر قدر من الأختام والتواقيع، حتى نصدق بأن الشهادة حقيقية وليست وهمية، وان المُحاضر خريج هارفارد واكسفورد والسوربون …الخ.
أقول: من دافع للتنمية والابتكار والتجديد المتواصل -ليل نهار- في ظل الأزمات العاصفة، المطلوب من الان فصاعدا تجارب في "التراحم والرحمة البشرية" بدلا من "التنمية البشرية" لأن الأخيرة داخلة في الفردية الليبرالية، وقد انتهى زمنها بالضربة القاضية، وحان دور العمل الجماعي الإنساني الرحماني، حتى من دون شهادات -تيك أواي- ولا مبالغ مالية!! قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].