يقضي العلماء والباحثون أوقاتًا طويلة يعملون على بناء نماذج رياضية تحاكي ظواهر متعددة تحدث في المنظمات والمجتمعات مستخدمين في ذلك منهجيات متعددة تستند إما على نظريات مبرهنة بالقياس أو فرضيات قد لايتسنى بسهولة قياسها إما لأنها لم تحدث بعد أو لأنها تحتاج إلى جمع بيانات لفترات طويلة لإثباتها. 

بعض تلك النماذج بسيط تحكمه معادلة رياضية واحدة وبعضها معقد تتشابك فيه العلاقات بين مكونات النظام تنتج عنها سلسلة من المعادلات الرياضية المترابطة التي يصعب توقع نتائجها مما يستدعي محاكاتها بحلها رقمياً وعرض مخرجاتها بشكل بصري واضح يمكن من فهم تلك العلاقات خاصة حال تعرض النظام لمستجدات طارئة عليه. بعض تلك النماذج ينزل إلى المستوى الفردي  و يخوض في تحليل شبكات العلاقات الاجتماعية وبعضها يرتفع إلى المستوى الاستراتيجي فيهتم  بديناميكيات النظم وبعضها مايحاكي تسلسل العمليات في النظم  أو يركز على النماذج الإحصائية والعشوائية بشكل أكبر ولكل منها نقاط تميزه وقصوره.

نشأت فكرة النماذج والطرق المتعددة لمحاكاتها تاريخيًا من التطبيقات الهندسية التي استخدمت أساليب النمذجة والمحاكاة في التصميم والتحكم في النظم بأنواعها الميكانيكية والإلكترونية والكيميائية والصناعية ومنها إلى تمثيل الظواهر الفيزيائية والفلكية وانتقلت إلى النظم المالية والإدارية، كما استفاد المجال الحيوي منها أيضاً في نظم الرعاية الصحية والأجهزة الحيوية والأمراض وتفشي الأوبئة

من أهم فوائد النمذجة والمحاكاة هو قدرتها على تجسيد سيناريوهات محتملة بناءً على متغيرات معينة تساعد العلماء والممارسين والمستشارين والمديرين وصناع القرار وأفراد المنظمات والمجتمعات على التواصل بشكل أوضح للوصول إلى فهم أعمق لما يستجد حولهم سعياً لرفع جودة قراراتهم التي قد تنعكس على سلامتهم الشخصية والأسرية أو سلامة منظماتهم ومجتمعاتهم وتعظيم فرص ازدهارها وتقليص احتمالات اضمحلالها.

تظل تلك النماذج محاولات جاهدة لتبسيط الواقع المعقد وتقريبه إلى الفهم مع مايشوب ذلك من قصور ضمني، وهي في جميع الحالات  مبنية على فرضيات وأساليب يختلف الناس بكافة أطيافهم حول دقتها وصحتها..لكنها دون شك توفر وسيلة غير مسبوقة للتواصل وتوضيح المفاهيم للتعامل مع الحاضر وتخيل المستقبل المحتمل والاستعداد له. إن ماتمر به البشرية حالياً في أزمة جائحة الكورونا وانتشار التقارير العلمية و منصات المحاكاة والعروض التوضيحية المبنية على تلك النماذج التي تشرح سرعة تفشي الوباء الأسية وتؤثر بقوة على تشكيل السياسات الحكومية و المواقف الدولية ومسيرة التجارب الحقلية للتصدي له، هو خير دليل على عظم فائدة استخدام النمذجة و المحاكاة خصوصاً خلال الأزمات ..