د. علي بانافع
ما أسرع الزمان ..
وما أقصر العُمر ..
وما أوسع العلم ..
وما أعجب التاريخ !!
مضت سنتان وانقضت على لقائي الأول بالأستاذ الدكتور أحمد السيد الصاوي -ولا اظنه الأخير إن شاء الله- فمن حُسن الحظ وبهاء الطالع أن كان له فضل السبق كأستاذ ومناقش خارجي لأطروحتي للدكتوراه وهي بعنوان: (الدولة والعصبية عند ابن خلدون في الفكر التاريخي العربي الحديث دراسة تحليلية نقدية) وذلك في رحاب جامعة أم القرى مع أستاذين فاضلين هما: الاستاذ الدكتور مريزن بن سعيد عسيري "مناقش داخلي"، والأستاذ الدكتور عدنان بن محمد الحارثي الشريف "مشرفاً ومقررًا"، والحقيقة أنني معجب بشخوصهم كأساتذة متمرسين في علم التاريخ والحضارة، لا سيما أني تلقيت العلم على أيديهم في جميع مراحل دراستي الجامعية والعُليا التاريخية والحضارية.
أما معرفتي بالأستاذ الدكتور احمد الصاوي فكانت أثناء المناقشة العلمية؛ فقد أُعجبت بشخصه وشغفت بفكره وشعرت بميل لا يُرد ولا يُقاوم إلى منهجه التحليلي والنقدي والمقارن للتاريخ القديم والحديث والمعاصر العسكري والاستراتيجي والسياسي، حيث لم يخطر على البال ولا جال في الخاطر أن الوطن العربي سيمر بعشرية سوداء وظروف صعبة تستدعي وتتطلب من الجميع أساتذة وطلابا الاهتمام بالفكر الاستراتيجي والتحليل التاريخي السياسي، ثم شرُفت بمتابعته على "الفيسبوك" وقرأت كتاباته الممتعة وتحليلاته العميقة، ومقياسه الدائم وطريقه العريض المفتوح المؤدي إلى ارتياد الجديد واستكشاف المجهول والتغلب على الخوف والتردد والقنوط من خلال نظرته الاقتراب المباشر من الأحداث، فمهمة المفكر التاريخي والمحلل السياسي الأساسية تفسير الظاهرة السياسية أو الحدث السياسي الكلي أو الجزئي، ووضعه في سياقه والإشارة المباشرة إلى العوامل الإيجابية أو السلبية التي صنعته أو أدت إليه، ليعلم الناس أين هم وكيف يُعززون ما هم عليه من صواب، وكيف يتقون ما يُحيط بهم أو ما تصنعه أيديهم أحيانا في عالم الوهن والخراب.
في زمن المحن كالمحنة التي يعيشها الوطن العربي هذه الأيام، يتكاثر المتطببون والمنجمون وضرابو المندل وفتاحو الفأل الذين يصرون بعضهم بغفلة وحُسن طوية وآخرون بوعي وسُوء أو سوء نية، على دفع الناس بعيدا عن البحث الحقيقي عن أسباب محنتهم وبلواهم ليعلموا من أين أُوتوا وكيف يكون المخرج ..
من خلال متابعتي لكتابات الأستاذ الدكتور أحمد الصاوي وردوده المُصقعة على التحليلات الواهمة التي تبعث الوهن في القلوب والخلل في العقول والرواغ أمام الأبصار، هذا الطوفان الاتهامي الذي يكاد يغمرنا كعرب ومسلمين بأننا لم نكن مسلمين حقيقيين، وأن الذي أصابنا نتيجة قلة الإيمان وضعفه وكثرة الذنوب والمذنبين والخطايا والخطائين، وأن الذي نقصنا أو يُنقصنا تجديد إيمان وحُسن إسلام وتوبة وإنابة وذكر واستغفار وسجود وتضرع في جوف الليل، ويزيد بعضهم والعودة إلى محاضن التربية الحقيقية والخلوات التهذيبية، وإننا لو فعلنا كل ذلك فسينزل الله علينا ملائكة من السماء تُقاتل عنا وتنصرنا وكأن القرآن لم يتنزل على هذه الأمة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216]. كُتب عليكم القتال وليس على ملائكة تقاتل عنكم!!
في عالم الفضاء المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعي هناك الكثير الذي يُحب أن يحشر نفسه في كل العلوم، وأن كان لا يُجيد شيئا من ذلك، ولمجرد أنه طالع بضع تحليلات أصبح يقرر تقريرات كبيرة، بل وزاد بعضهم بأن أصبح له موقعا وقلما يكتب ويتصور أنه يُنور الأمة ويزرع فيها الوعي، وهو مسكين يُضلل الأمة عن حسن نية، التحليل السياسي علم يحتاج لمطالعة ودراسة ومعرفة فمن مارسها كان له أن يكتب ويتكلم ومن لا فلا، لقد ابتلينا بصنف يدعي معرفة الواقع ويفقهه وهو في الحقيقة لا يفقه شيئا من الواقع السياسي سوى بضعة عنتريات وأحلام أودت بالأمة وشبابها إلى الهاوية وهو بلا شك يُفسد ولا يُصلح وإن حسُنت النية، والمسلم شعاره قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]. ومن أحب أن ينفع أمته في هذا المضمار فليدرس علم التاريخ والسياسة لينفع أمته، شكرا جزيلًا الأستاذ الدكتور أحمد الصاوي المفكر والمحلل البارع، الخلوق الرائع، الفاهم المتواضع، بُورك قلمك وفكرك ..