د. علي بانافع
الجوامع والمساجد، والجمعيات الخيرية، والوقفيات الدعوية، والمصليات الصغيرة، دائما ما يبدأ العمل الخيري والدعوي بجيل مخلص، يضحي بالغالي والنفيس من أجل بناء جامع، أو مركز تحفيظ، أو مركز إرشادي توعوي، أو منبر دعوي، أو جمعية خيرية، أو وقف إسلامي، ويبذلون وسعهم وجهدهم ووقتهم ومالهم لتقف هذه المؤسسات على اقدامها، وتشق طريقها برغم كل التحديات والمعوقات التي تعترض سبيلها، وهذا يُحسب للجيل المؤسس لشركة ينبع السعودية للبتروكيماويات "ينبت"، إحدى شركات الشركة السعودية للصناعات الأساسية العملاقة "سابك"، الذي أسس جامع عمر بن عبد العزيز الكبير في حي النخيل بينبع الصناعية بجميع مرافقه وخدماته، ليأخذ الجيل الثاني زمام المبادرة مقسماً عمله بين المحافظة والدعوة مناصفة، ثم يأتي الجيل الثالث فالرابع يكملون مسيرة الآباء والأجداد المؤسسين.
المشكلة بل قل الكارثة هنا تكمن في خلل ذهلت عنه أدبيات الجيل الأول المضحي برغم جده وإخلاصه، خلاصته أنه لم يضع بنداً ينص على أن هذا الجامع أو المؤسسة الخيرية أو الدعوية ليست إرثاً إنما هي وقف لله تعالى ولعباده الصالحين العاملين وللدعاة الداعين لنصرة هذا الدين الحنيف، غياب هذا البند المهم جدا أدى لنتيجة سلبية = جوامع + أوقاف إسلامية + جمعيات خيرية + مراكز دعوية، أسست قبل: 20 - 30 - 50 عاما وأكثر، ليس بمقدورها حل مشكلة واحدة، لأنها تحولت برمتها وان لم يعلن عن ذلك إلى أملاك رسمية حكومية لا إلى أوقاف إسلامية لعموم المسلمين، والحل هنا بتوعية المجتمع والجهات الرسمية الحكومية، ونصحها بالتي هي أحسن بأن ما يقومون به يقض مضاجع اجدادهم المسلمين الأوائل ويناقض مبادئهم التي ضحوا من أجلها.
يعاني جامع عمر بن عبدالعزيز الكبير بحي النخيل في ينبع الصناعية، من إهمال متعمد ومتعدد في جميع مرافقه الداخلية والخارجية، بدأً من نظام مكبرات الصوت، وانتهاءً بالفرش، والجدران، والأبواب، والديكورات، والثريات، والإضاءة عموما، بالإضافة لمغسلة الموتى المهملة وهي الوحيدة بينبع الصناعية، زد على ذلك أن الجامع ملاصق للسوق المجاور له، الذي يعج بالمطاعم الشعبية، فيتعرض المصلون من الحي وخارج الحي إلى أنواع الروائح من: بصل وثوم وكراث ومقليات وزيوت محروقة، إضافة لما يتعلق بملابس عمال تلك المطاعم ممزوجة بعرقهم، تؤذي المصلين أثناء الصلاة، ويعج بها الجامع لفترة طويلة، وبقاء الوضع على هذا الحال يضر بالجامع والسكينة أثناء الصلاة وقراءة القرآن وسائر العبادات.
يجب على المسلمين تعظيمُ شعائرِ الله {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] الجبلان الصغيران أو المرتفعان أحدهما يسمى الصفا والآخر المروة عظمهما الله {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} [البقرة: 158] والجوامع والمساجد كذلك من شعائر الله، بل الحيوان الذي يُركَب عَظَّمَه الله لاقترانه بمُعَظَّم {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36] فتعظيم ذلك من شعائر الله والجوامع والمساجد كذلك.
إننا مأمورون بالطهارة والنظافة خارجَ الجامع فكيف بها في الجامع {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدّثر: 4]. {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. وليس لِبس الملابس المتعلقة بها روائح الطبخ والقلي والبصل والثوم والكراث وغيرها من الزينة التي أمرنا الله بلبسها في المساجد بقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
ألا ترون أن اللهَ أمر رسوله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بخلعِ نعليه لأنه بالوادي المقدّس كما قال: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12]. لنجاسة النعلينِ، أو ليباشر بقدميه بَركة الوادي المُقَدَّس، ثم دَقِّقوا معي مرّةً أخرى حين خلع النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم نعليه فخلع الصحابة نعالهم إتباعا له قال لهم: {ما لكم خلعتم نعالَكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نِعالَنا، فقال لهم: {إن جبريل أتاني فأخبرني أن بها أذى فخلعْتُهما ...} الحديث، فنحن حقا لا يأتينا جبريل عليه السلام يخبرنا بروائح ملابسنا أو أن بها أذى، ولا تخلو الملابس -غالبا- من روائح، نعم إن كانت الملابس طاهرة كأن تكون خاصَّة بالجامع، ثم إنّ الجوامع لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مفروشة بالسجَّاد أو الحصير أو نحوهما، والمجتمع يستقذرُ دخول الناس الجوامع بالروائح الكريهة ويمجّه ويمقته ويكرَهُهُ ويلفظُه، فهل يَصُوغُ اليومَ فعل ذلك في الجوامع المفروشة؟! وهل هناك عاقل يقول ذلك؟! ولا أظن إلاّ أن طلبة العلم معي فيما قلتُه وذهبتُ إليه.
المطلوب فوراً من الهيئة الملكية بينبع -التي أصبحت مضرب في التقدم والرقي والحضارة- ممثلة بإدارتي المرافق العامة والشؤون الدينية وغيرها، أن يبدأوا في إصلاح جامع عمر بن عبد العزيز وترميمه وتزيينه وتجميله والاهتمام بمظهره الداخلي والخارجي بالكامل، فهو أكبر جوامع ينبع الصناعية قاطبة، وتقام فيه الصلوات الخمس والجمع والأعياد وجميع المناسبات الدينية، والجامع الوحيد الذي يُقام في الصلاة على الميت، وضرورة توعية عمال المطاعم المجاورة له بضرورة إخفاء الملابس التي تعلق بها روائح الطبخ، وتخصيص ملابس للصلاة في الجامع، لأن الجامع بل الحي بأكمله كان ولا زال في طي النسيان والمسؤولون عنه كانوا ولا زالوا نياماً.