Image title

أغنى أرض في العالم

كم اعتادنا أن تكون - أحيانا -  اجتماعات المديرين دوائر من الرتابة المخلوطة بالملل والفتور، فمقتطفات هنا عن مستويات الإزدهار أو الهبوط لأسهم الأرباح التي عادةً لا يهدأ لها بال ولا تجد لها مستقر، ولا مانع أيضا عن بعض الكلمات عن ضرورة إلتزام الموظفين بالآداب العامة للشركة في عدم إستخدام أوراق التقارير في إزالة البقع الباقية على المكاتب من آثار إلتهام شطائر اللحم بالجبن .

ولكن أتى هذا المدير الأمريكي خارجا عن السياق عندما طرح سؤالا على زملائه في إجتماع عمل : " ما هي أغنى أرض في العالم ؟ "، لتبدأ التوقعات، فالجالس هناك في نهاية الغرفة اعتدل في مقعده وقال في ثقة : " إنها أرض الخليج، فأنها غنية بالنفط " ليعترض آخر معللا : " أنها أراضي الألماس في أفريقيا " . ليرد المدير : " كل إجاباتكم خاطئة" ويصمت قليلا من الوقت مضيفا : "أنها المقبرة " ووسط نظرات من العيون الجائعة لتفسيرات مقنعة لهذه الإجابة استكمل المدير حديثه : " أن المقابر فيها ملايين الناس ممن قضوا نحبهم، وهم مازالوا يحملون في جعبتهم الكثير من الأفكار الثمينة التي لم تر النور بعد، ولم يستفيد منها أحد غير المقبرة التي تظل هذه الأفكار سجينة بين جدارنها

كان العرض السابق بالطبع، تصور تخيلي للأحداث التى تمت في هذا الإجتماع الذي كان يحضره الكاتب والمؤلف تود هنري الذي أعجب بالفكرة كثيرا ليستلهم منها فيما بعد كتابه الرائع مُتْ فارغاً .. Die Empty

Image title

لا تذهب إلى قبرك، قبل أن تفعل ذلك ...

ألهمت هذه الإجابة الأديب الفرنسي تود هنري لتقديم كتابه " مُت فارغاً .. Die Empty “، والذي بذل فيه قصارى جهده لتحفيز البشر لتحويل ما لديهم من أفكار وطاقات إلى حقائق ملموسة تؤثر وتدعم في تطوير ونهضة مجتمعاتهم ومن حولهم قبل فوات الأوان، عندما تقف أمام هذه الفكرة متأملا ومتخيلا كم من شخص ضليع في علم ما أو يمتلك بين طرقات عقله العديد من التجارب الحياتية التي لم تفتح لها نوافذ الإكتشاف والنفع لمن حوله قبل أن يكون حصان الموت الأسرع للفوز بهذا الصيد والمخزون الوفير.

في عالم الأعمال والحياة عموما يوجد من نطلق عليهم الـ ( Mentors ) أو مرشدين الحكمة أو أصحاب التجارب الحياتية الناضجة، الذين يحملون مشاعل لتنوير الناس بأفكارهم وتجاربهم الملهمة، ودفع المسيرة الإنسانية للنهوض إلى مستويات أقرب لعوالم المعرفة والعلوم المضيئة، فإذا ما تخلف منهم عن أداء دوره بالشكل الصحيح حرم غيره من خير كبير، ولذلك تأتي الجملة الأجمل في كتاب تود هنري : " لا تذهب إلى قبرك، وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائماً أن تموت فارغاً”.

Image title

فلتغرس الفسيلة التي في يدك وإن كانت الأخيرة

في أحاديث الرحمة والعطاء تتسع الدائرة وترحب بكل ضيف قادم مادام ينطوي تحت هذا المعنى الطيب الراقي، فلنا أن نرسم خطوط هذا العالم عندما يفرغ كل منا بآخر نقطة في دلوه قبل موعد الرحيل، فالمعلم مع تلاميذه يحرص أن يقدم كل ما يملك من علم، وموظف المصلحة الحكومية الذي يرفض إغلاق أوراقه قبل الإنتهاء من كافة مصالح المواطنين، وهذا الباحث الإجتماعي لا يقبل إغلاق دفاتير المقيدين لهيئة المساعدات والاعانة قبل التأكد أنه قيد بالفعل كافة الحالات المحتاجة في هذا الحي.

فلنعمل ونقدم كل ما في إستطاعتنا تقديمه لنترك زجاجة الخير لمن حولنا وهي ممتلئة حتى الفوهة، ولنا في حديث رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - تحفيزا ومرشدا للعمل للرحمة والعطاء حتى آخر لحظة : ( إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا ) ..