سلامٌ علي ذاك الحي الذي تكثف ظلاله كالمشكاة في سويداء قلبي،سلاماً علي العالم الآخر الذي لم أعبره مجبره،وكان الإختيار جُرم لايغفره قطيع القبيله، سلاماً للذين يقبضون ع ثوابتهم ولهم في أحلامهم عقيده ،علي هذا المكان الذي استفاقت ذاكرتي بين أدراجهِ!

كان يومًا دافئاً لا يشيرإلي أجواء ممطره وما كانت تبدو عليه آثارٕ للغضب،أجواء مناسبةً جدا لكي تتراقص فيها الأبدان علي منصة الحياه،وتنتحب فيه الأنفس وسَط معارك الكادحين مع قوت يومهم.أسدلت فيه الشمس خيوطها علي كل شئ إلا علي روحي لأن الليل فيها لم ينتهي بعد!تبدلت ملامحي الجاده وتبددت كل أوجاعي حين وقعت عيناي علي تلك اللافته المهترئه المعلقة علي جدار اسمنتي في مدخل الحي، بدت فيها الحروف متقطعة حاولت قراءتها بصعوبة (هنا يموت الإنسان علي فطرته، هنا العالم بسلام)لم أفرغ من قراءتها حتي انتابني شعور بالسكينه كدت انسي حلاوة مذاقه منذ أن غادرت عالمي البرئ لأهاجرإلي عالم فيه الكلاب تتحدث عن الطهاره والثعالب تُدين الخديعه،والببغاوات تتحاور بفصاحه مضيت بخطي واثقه ،ولما لا وأنا أبرهن لذاتي أنني علي صواب وأن الأموات مازال ها هنا بينهم حيٌ،وأنَّ كل هذا الظلام يمكن أن يبدده ضوء شمعه ولو كان خافتاً!!

ذاك الطريق المتعرج ،المطرز بآثار أقدام الماره،النابض بحكايا البشر ،ونداوته الرطبة من خلاصة عرق كدح قاطنيه، بدا كل شئ فيه يوقظ داخل روحي حنيناً إلي الماضي ،حينما كنت طفله ،صاخبه بالحياه ،مفعمه بالأمل ،كان كل شئ فيه أشبه بفيلم قديم في الحقبه الخمسينيه من الزمن أبطاله قد وارتهم الارض وأكلت أجسادهم،بعدما كفظت أسمائهم بما صنعوه

قد عطر المكان عبق الذكري وسكنت روحي ،حينما عانقتها عن شوق وقد فارقتني ثلاثون ربيعًا ،لم تكن المره الأولي تلك التي وطئت أقدامي هذا الحي،فقد زرته من قبل مراراً ،لكن تلك المره فريده من نوعها ،لم أكن خائفة كعادتي وما كنت مشوشة الفكر والخطي كما عاهدني ،لكنني كنت حره طليقه،اطلق العنان لروحي بالشعور ولعيني بمراقبة كل ماتقع عليه حتي اللافتات العريضة وتلك البالية أيضاً كنت أتأملها بشوق سرت بخطواتٍ خفيفه متناغمة ،اشاهد الباعه وهم يتجولون بعربات يدويه،والمحلات المغلقه في وجه كل بيعةٍ خاسره،إلاتلك التي مع الله،وقفت هنيهةٍ أتأمل كل شئ بقلبٍ وهنً،تداعت عليه كل مشاعر الفرح والحزن والدهشة فانتزعت منه قوته وتركته كقلب زاهداً في عالمَ روحانياً لاتحكمه توجيهات العقل ولا تبعية الجسد ،فيه الروح تحلق في فضائها وتقتلني به التفاصيل الصغيره لبثت مليا ثم عاودت السيرحتي قطعت خلوة روحي رياحٕ عاتيه،هبت علي حين غُره لتعبث بكل شئٕ ساكن وتعلن عن وجهٕ آخر للطبيعه كان يواريه قرص الشمس اللامع،فبدا واضحاً ليكشف عن عظمة الخالق، ،اختفت الشمس خلف غيمه وتلاشي دفئها،وغُلف الشارع بغلالةٍ ضبابيه،غطاها الوجوم ،فأصبحت قاتمه جدا،كان الهواء البارد يلفح وجهي لكنني سرت غير مباليه، فدائماً ماكان يثير شغفي أن أقاسم الطبيعة مزاجيتها، احتضنت بعضي واحتضنتني لفحات الهواء البارد ،ومااصدق عناقها!!

ازدادت سرعة الرياح ،ثم تبعها مطر غزير عانقني بشغف وكأنما أبي أن لايشاركني شعوري المفضل ،أسرعت بخطواتي نحو الرصيف المرتفع ،كنت أشتهي مراقبة هطول المطر ووقع ارتطامه بالأرض عن قرب،كان الجميع يحتمون تحت واجهة المحلات والعمائر،كنت أسير وحيده ترتشف روحي المطر عطشاً ،لابأس ببعض البلل في ظل هذا الجفاف الذي يعتريني ،فلعل جوارحي ترتوي بعد كل هذا الظمأ!!

سرت بمرافقة المطر ،ترتجف أركاني وأتفرس الوجوه بشغف ،كم هي صادقه ملامحهم ولون بشرتهم الداكنه كالأرض والبعض بلون الحنطه و لون خبزهم الذي يتقاسمونه عن حب فيشاركون بعضهما الطعام والحديث وحتي البيعه إن غاب أحدهم يحل الآخر مكانه حتي يعود

الناس هنا لا يتقاسمون فقط الخبز ..والود أيضًا هنا يقطن الجمال وترتسم البساطه

غادرت المكان بخطي متضطربه كان داخلي رغبه بالمكوث فيه طويلاً ،لكنني سأعود حتماً إن قدر الله لي البقاء فقد عاهدت المطر أن نلتقي هنا في موسم جديد!!

تُري إلي متي سيختارني المطر رفيقًا للجنون ،وكيف يمكنني كبح جماح شهيتي له؟!!

غادرت وأنا أتساءل ،لما ،وكيف،ومتي ،فلم أجد إلا جوابً واحداً أن بعض الأسئلة لا أجوبة لها!!